التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من مايو, ٢٠١٥

إدارة الذاكرة

أحيانا تكون الذاكرة ملاذا للإنسان كي يتخلص من أوجاع اللحظة الراهنة ومن سخف بعض الجزئيات التي تعبر به في الحياة اليومية، لكن نفسها الذاكرة أحيانا تصبح نوعا من العبء الثقيل الذي يكون الإنسان مجبرا على التعايش معه، لأنها تشير إلى المناطق الأكثر سوءا في حياة الفرد وبالتالي تصبح مؤلمة وقاسية وتصنع الجراح بدلا من الفرح. إن الذاكرة هي بيت الإنسان الذي يسكنه في الواقع، هي واقعه وخيالاته ومسار حياته ومنعطفاته في كل محطة من محطات الوجود، وهي الرغبة في الحياة بمثلما هي الشرود والانكفاء وعشق الموت. وهي الإنسان في طبقات الوعي واللاوعي، وهي الظنون بمثلما هي الحقائق الدامغة. نقبض على الذاكرة أحيانا في زمن قديم، نسميه كذلك رغم حضوره الباهي في الآن، في العقل وفي محيط المتشكل في وعينا. لنرى كيف كنا وكيف أصبحنا، نتجول في مساحات العبور وفي الآمال والحكايات، ثم نبدأ في الأسئلة من سنكون؟ وما هو شكل العلاقة التي تربطنا بذواتنا في الواقع لتحقيق ذلك الهدف. ففي الذاكرة بمثلما تسكن الأسئلة تعيش الإجابات، فهي بيت المعرفة والجهل معا. ليس الكائن البشري إلا ذاكرة متحركة، تتجمع فيها كل تلك الأيام والسنو

عزيزتي توني موريسون

غالبا ما يربط الناس بين الموسيقى والفرح والطرب، ولكن عبر التاريخ البشري كثيرا جدا ما تعلقت الموسيقى بالأحزان والموت وطقوس الجنائز، بل أن تاريخ الموسيقى حسب الميثولوجيات الدينية يكاد قد انبثق من طقس الموت لا طقس الحياة، إذ يروى أن "لامك" وهو سليل الجيل الثامن من أبناء أبو البشر آدم، ووالد النبي نوح، والذي توفي عن عمر 777 سنة كما تقول الميثولوجيا، كان هو الذي اخترع آلة العود التي تعرف على أنها أم الآلات الموسيقية. وفي ذلك قصة غريبة ملخصها ما أورد المبرد في كتابه "الكامل" الذي ذهب إلى أن أول من صنع العود هو "لامك" حفيد آدم وأبو نوح، والذي كان له ولد يحبه حبا شديدا اختطفته يد المنون وبدلا من أن يقوم بدفنه، لأنه أحب ألا يفقد رؤيته قام بتعليقه على شجرة أمامه يراه كل يوم مع اطلالة شمس الصباح، لكن ذلك انعكس وبالا فالجثة، تحللت مع الوقت ولم يبق منها إلاّ الفخذ والسّاق مع الأصابع، قام لامك بأخذ قطعة من الخشب وهذّبها وصنع منها عمودا جاعلا صدره بشكل الفخذ وعنقه بشكل ساقٍ ورأسه بشكل الملاوي مثّل بها الأصابع، والأوتار مثّل بها العروق. ولم ترد إشارة إلى أن الخش

"عرس الزين" والهوية

رغم أن شهرة الطيب صالح ارتبطت إلى حد كبير برواية "موسم الهجرة إلى الشمال" التي تعالج الصدام الحضاري بين الشرق والغرب عبر بطلها المهاجر من السودان إلى لندن، مصطفى سعيد ثم العائد للفناء في وطنه، إلا أن رواية "عرس الزين" الأصغر حجما والتي تم تحويلها إلى فيلم سينمائي مبكرا بواسطة المخرج الكويتي خالد الصديق(1979)، تظل من الروايات المثيرة للدهشة والمختزنة بالكثير من التفاصيل التي تكشف عن عبقرية الطيب صالح كروائي. وتقدم "عرس الزين" ليس بطلا هامشيا كما يبدو، إنما إنسان حقيقي ينطلق من غرابته وغربته الذاتية ليكون فاعلا على مستوى الحياة الاجتماعية ويلعب دوره في صناعة الحياة في بلدة كاملة بما يمليه من أحداث ووقائع يكون هو بطلها. فالزين ذلك الدرويش أو الإنسان المثير للانتباه بتصرفاته الغريبة، والذي يراه بعض الناس مسليا في حين يراه آخرون مصدرا للبركة والشفاعة، وتنسج حوله الأساطير والحكايات في محاولة لتفسيره كلغز كوني، يتحول ذلك الكائن الإنساني (البطل) إلى وسيلة لوعي الوجود وكيفية رؤية الحياة بمحور جديد قائم على فكرة الحب والانتماء للأرض والوطن وفاعلية الذات