التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عصر الإهمال


تتصل بفلان.. تتفقان على أمر ما.. ثم في اليوم التالي لا شيء يحدث
****
يبدو الأهمال كسمة مميزة للعصر الذي نعيش فيه. هذه المرحلة بالتحديد. حيث الناس تنسى كل شيء سريعا وتنطوي في اللحظة القادمة، حتى لو أن المسبق كان أهم. الإهمال يعني ببساطة أن الإنسان له القدرة على النسيان. لكن ما أتكلم عنه هنا ذلك النوع الذي يجعل الحياة بطيئة وكئيبة ويفقد الروح الإنسانية العاطفة، أن تهمل لقاء الأصدقاء والأهل وأن تهمل الواجبات المفترض أن تقوم بها في عملك أو في بيتك. وأن تهمل الأهداف التي وضعتها لحياتك. والنتيجة طبعا كارثية، لكن المرء لا يتوقعها إلا بعد مرور الوقت أو كما يقول المثل السوداني "بعد أن يقع الفأس في الرأس".
من خلال تجربة شخصية لاحظت أن معدل الإهمال ارتفع في السنين الأخيرة ويكاد يكون ظاهرة عالمية وليس على مستوى شعب بعينه، فعلى سبيل المثال لم تعد الناس - أغلبها - تفي بأي شيء تقريبا. ارتفع معدل الاستهبال والسرقات والتحايل، باسم الوعود الكاذبة والبيع والشراء، كأن يعطيك أحد موعدا لعمل ما
ولا يفي به، أو تتوقع أن ذلك الشخص سوف يدفع ثمن السلعة المعينة ثم يهرب بباقي التكلفة ولا تعثر عليه. أو تحضر متخصصا أو عاملا للقيام بصيانة أو عمل معين ثم تكون النتيجة رديئة جدا برغم أن هذا الشخص متخصص أو يفترض ذلك وأن بإمكانه أن يفعل ما هو أفضل بكثير. كل ذلك يصب في نوع من الأهمال المتعمد، التحايل. الذي ترتب عن ظرفيات اقتصادية وأحيانا سياق معولم في حياة بات طابعها الأساسي - ربما - هو الفائدة والمنفعة مقابل الإهمال، نسيان الآخر، الاقتناص السيء. ولنقل ببساطة القفز باتجاه المال. البحث عن الماديات، لكن للاسف يحصل ذلك دون أي رغبة في الجدية والعمل الحقيقي. يريد الإنسان أن يكون مهملا وأن يكسب.
فالاهمال نوعان تلقائي ومتعمد، وكلاهما متداخلان. كلاهما يجعل الحياة تفقد قصتها المفترضة في الحيوية والنضوج والمعنى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

راما رواية البليك تغوص في أسرار الخلود وتتجاوز قواعد السرد

  في طفولتها البعيدة وهي تلعب بين مزارع الفول والفاصوليا وتسبح أحياناً مع البنات في النهر ساعة الفيضان، لم تكن خالدة تتخيل شكل مستقبلها، توفى معظم من تعرفهم ويعرفونها، كانت تحب فصل الشتاء لأنه يسمح لها بالاختباء تحت غطاء اللحاف، لتحلم، كانت طفولتها وشبابها مليئة بالفوضى فهي بنت الجزار الذي في لمحة بصر ومحض الصدفة تحول ضمن الحرس لشخصي لوزير مهم، هي بنت المرأة الطيبة القادمة من رحم الرق والبؤس، جد كان شحاذاً وتفاصيل مربكة استمرت إلى أن وجدت راجا الهندي الطيب تاجر المجوهرات، تكتمل الفرحة بميلاد الطفلة راما، الاسم المقتبس من الخلود بقداسته وأسراره. حياتها الجديدة لم تنسها ماضيها حكايات الخالة الصحفية المناضلة عوضية، والعم الذي مات بمرض لم يمهله كثيراً وسفيان، الأخ المولع بالفن والغناء، كثيراً ما يسير الماضي كشريط سينمائي بمونتاج محكم متداخل الأزمنة. كثيراً ما كانت تشعر بوخزة في صدرها وأن هنالك ما هو مؤلم في مقتبل الأيام، يموت الأب في حادثة مفجعة وهي طالبة جامعية، بكته رغم أنه لم يعد ذلك الأب الطيب الذي كسر الأعراف والتقاليد وانتصر للحب منذ أصبح من الحاشية ومرافقاً للوزير في كل أسفاره....

عن رواية الامام الغجري للكاتب عماد البليك، بقلم: فخر الدين حسب الله

في روايته "الإمام الغجري" التى يمكن وصفها بالرواية الواقعية، حيث تتحرك في جغرافيا وتاريخ محددين (السودان، 1821_الى الان)، يسرد البليك في متعة متناهيه تفاصيل الكثير من الأحداث التاريخية في السودان الحديث في رحلة البحث عن سر الغموض الذي يلف غياب أحد الرموز الدينية، الطائفية، السياسية.. واسمه الإمام سفيان النصري (الغجري). تبدأ أحداث الرواية عن صحفي سودانى، يحاول أن يكشف القناع والأسرار حول غياب الامام الغجري قبل عدة عقود، ليجد نفسه أم ام ملف شائك، شديد التعقيد . الصحفي بعد أن أمسك ببعض الخيوط وقبل أن تكتمل، اغتيل قبل أن ينشر ما لديه، اصابع الاتهام تتجه الى السلطة الحاكمة، فالنظام يقبض علي حرية النشر، ويضيق على الحريات، ويمنع الحديث حول غياب الإمام. وللنظام سوابق في الاغتيالات والتعذيب، فقد اغتيل صحفيون من قبل. يلجأ آخرون ينتمون إلى مؤسسات الدولة الحديثه الي عملية تحضير الأرواح لمعرفة ماذا كان يريد أن يقول الصحفي.. تسير الرواية بأقوال روح الصحفي.. لتحكى الروح حقيقة ما جري مضافا إليها خواطره وآرائه . تكشف الرواية عن الحبل السري بين السياسي ورجل الدين وانع...

المناورة والطريق الأفضل.. إلى حمدوك مرة أخرى

لقد أهتم العلماء في فترة التنوير الأوروبي بالطبيعة، والأحياء، كيف تشكلت في الماضي. في سبيل السيطرة على المستقبل، لأن أدراك نسق التشكيل في التاريخ، يقود إلى التحكم في القادم.   قبل أن يأتي داروين الذي كسب شهرة كبيرة بنظرية التطور، جرب آخرون أغفلهم التاريخ هذا النمط من التفكير، ومنهم جان باتيست لامارك، الذي يعتبر أول من استخدم مصطلح البيولوجيا بالمعنى الحديث. وكان تقريبا أول من صاغ نظرية شبه متكاملة في التطور الإحيائي. استهل بذكر لاما رك، للاستشهاد بمقولته: "هل نتحرك أفضل حين تتقطع بنا السبل ولا نجد مخرجا.. عندما يتغير كل شيء؟" الفكرة تقوم على أن الكائنات في محيطها الطبيعي، دائما ما تلجأ إلى الحل في ساعات الاستعصاء القصوى، عندما يتبدل كل شيء تماما. تصل ما يمكن الاصطلاح عليه بلحظة "التلاشي". هنا تناور بطريقة جديدة. تستخدم كافة السبل الممكنة التي لم تخطر من قبل، وتستطيع أن تحدث انقلابا في الطبيعة نفسها لصالحها. هذا الأمر ينطبق ليس على الحيوانات والأحياء في فطرتها. بل على المجتمعات، ففن المناورة في "المساحات الصغيرة" أو "الفرص المعتمة" يقود إل...