التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دماء في الخرطوم.. رواية الذين يصنعون الأحداث ، بقلم - عمر الفاروق نور الدائم



دماء في الخرطوم رواية عماد البليك (دار الفارابي 2008)... رواية البوليسي، الواقعي، الاجتماعي، الاقتصادي السلطوي والتشخيصي.. رواية الطبقة البرجوازية.. التي كان آخر ظهور لها في المشهد (المترجمة) لـ ليلى أبو العلا .
في محاولة لإثراء النقاش والحوار والنقاش حول الرواية السودانية أقدم عرضاً مختصراً عن رواية (دماء في الخرطوم) لـ عماد البليك.. وهي بداية سلسلة لمحاولة التعريف بروايات سودانية أخرى وفتح نقاش حولها..

***

يغوص الروائي السوداني، عماد البليك، في تاريخ الممارسة السلطوية في السودان – وإن كان واضحاً- تركيزه على حقبة معينة منها.
أثناء القراءة للنص لا يوجد ما قد يشير إلى أننا نعيش في عالم خارج الحبكة الدرامية للنص، إلا ما إذا كنا نود فقط أن نستذكر معلوماتنا حول ما كان يدور في السودان سياسيا واجتماعيا على مدى أكثر من خمسين عاماً مضت.
 أي أن العالم الروائي، مكتمل الأركان ولا يضطرك لأن تغادره إلا لفسحة من تأمل أو استذكار لبعض أزقة الخرطوم وأم درمان أو حدث تاريخي أو سياسي بعينه.
قد لا يدور بخلد القارئ أنه بالإمكان، أن يتم توظيف قضايا اجتماعية وسياسية وغيرها في إطار بوليسي جريمة قتل قد تحدث يوميا في هذا البلد. (رغم أن الشخصية التي جرى اغتيالها، شخصية متنفذة وذات جاه). من خلال التخطيط ومحاولة اغتيال السيد العربي رجل الأعمال المعروف إلى أن تم ذلك عبر الخلية السرية التي يديرها القائد ميسرة، جرت أحداث الرواية التي تدور في إطار بوليسي زاخر بالمفاجآت الصادمة. مبرزة لنا شخصيات قيادية وهي تتصرف إزاء الأحداث سواء كانت سياسية أو وظيفية أو اجتماعية لنواجه بعقليات تحركها المصالح وتقاطعاتها، وتتملكها شهوة السلطة.
إننا نتحدث عن صراع وجودي ونتحدث عن سلطة أصبحت طيعة في أيدي بعض قليل، وما حاولت أن تعريه لنا الرواية هو مطبخ السلطة، أو هؤلاء الذين يتم تسميتهم بالوزراء والمديرين لأجهزة حساسة ومصيرية.
الرواية لم تركز ربما على جانب جمالي في اللغة، بقدر ما أنها تعطينا جرعات مؤلمة عن التصورات التي تفصل الأخلاقي عن الإنساني، واحتماء السلطة ولواذها بترسانة تحمي عيوبها الأخلاقية. فضلا عن حوار الظل الذي يدور في أذهان شخصيات هذه الرواية.
دماء في الخرطوم، من جانب آخر، تعكس لنا حالة الفصام التي قد تعتري البعض في المنافي البعيدة، والدخول في تلك المقارنات التي قد تعصف بفكرة الوطن، واختزاله في وطن بديل تكون قد هوته نفسك.
تجدر الإشارة إلى شخصيتين محوريتين، هما شخصية رجل الأعمال (السيد العربي) وقائد الخلية السرية العقيد أو الطبيب ميسرة..
الرواية من جانب آخر، تلقي الضوء على نظريات فلسفية وسياسية محاورة إياها، لتخلق لنا تصورا حول تذبذب الأفكار، واتجاه البعض للتمترس خلف شخصيات منتجي تلك الأفكار بعيدًا عن محاورة الفكرة في حد ذاتها. هذا العمل أيضا غاص في المسكوت عنه بإرادة فنية جبارة، لم تلامس المباشر.

عمر الفاروق روائي وكاتب سوداني حاز على الجائزة التقديرية في جائزة الطيب صالح  2013 عن مركز عبد الكريم ميرغني بالخرطوم

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

راما رواية البليك تغوص في أسرار الخلود وتتجاوز قواعد السرد

  في طفولتها البعيدة وهي تلعب بين مزارع الفول والفاصوليا وتسبح أحياناً مع البنات في النهر ساعة الفيضان، لم تكن خالدة تتخيل شكل مستقبلها، توفى معظم من تعرفهم ويعرفونها، كانت تحب فصل الشتاء لأنه يسمح لها بالاختباء تحت غطاء اللحاف، لتحلم، كانت طفولتها وشبابها مليئة بالفوضى فهي بنت الجزار الذي في لمحة بصر ومحض الصدفة تحول ضمن الحرس لشخصي لوزير مهم، هي بنت المرأة الطيبة القادمة من رحم الرق والبؤس، جد كان شحاذاً وتفاصيل مربكة استمرت إلى أن وجدت راجا الهندي الطيب تاجر المجوهرات، تكتمل الفرحة بميلاد الطفلة راما، الاسم المقتبس من الخلود بقداسته وأسراره. حياتها الجديدة لم تنسها ماضيها حكايات الخالة الصحفية المناضلة عوضية، والعم الذي مات بمرض لم يمهله كثيراً وسفيان، الأخ المولع بالفن والغناء، كثيراً ما يسير الماضي كشريط سينمائي بمونتاج محكم متداخل الأزمنة. كثيراً ما كانت تشعر بوخزة في صدرها وأن هنالك ما هو مؤلم في مقتبل الأيام، يموت الأب في حادثة مفجعة وهي طالبة جامعية، بكته رغم أنه لم يعد ذلك الأب الطيب الذي كسر الأعراف والتقاليد وانتصر للحب منذ أصبح من الحاشية ومرافقاً للوزير في كل أسفاره. تش

المناورة والطريق الأفضل.. إلى حمدوك مرة أخرى

لقد أهتم العلماء في فترة التنوير الأوروبي بالطبيعة، والأحياء، كيف تشكلت في الماضي. في سبيل السيطرة على المستقبل، لأن أدراك نسق التشكيل في التاريخ، يقود إلى التحكم في القادم.   قبل أن يأتي داروين الذي كسب شهرة كبيرة بنظرية التطور، جرب آخرون أغفلهم التاريخ هذا النمط من التفكير، ومنهم جان باتيست لامارك، الذي يعتبر أول من استخدم مصطلح البيولوجيا بالمعنى الحديث. وكان تقريبا أول من صاغ نظرية شبه متكاملة في التطور الإحيائي. استهل بذكر لاما رك، للاستشهاد بمقولته: "هل نتحرك أفضل حين تتقطع بنا السبل ولا نجد مخرجا.. عندما يتغير كل شيء؟" الفكرة تقوم على أن الكائنات في محيطها الطبيعي، دائما ما تلجأ إلى الحل في ساعات الاستعصاء القصوى، عندما يتبدل كل شيء تماما. تصل ما يمكن الاصطلاح عليه بلحظة "التلاشي". هنا تناور بطريقة جديدة. تستخدم كافة السبل الممكنة التي لم تخطر من قبل، وتستطيع أن تحدث انقلابا في الطبيعة نفسها لصالحها. هذا الأمر ينطبق ليس على الحيوانات والأحياء في فطرتها. بل على المجتمعات، ففن المناورة في "المساحات الصغيرة" أو "الفرص المعتمة" يقود إل

عن رواية الامام الغجري للكاتب عماد البليك، بقلم: فخر الدين حسب الله

في روايته "الإمام الغجري" التى يمكن وصفها بالرواية الواقعية، حيث تتحرك في جغرافيا وتاريخ محددين (السودان، 1821_الى الان)، يسرد البليك في متعة متناهيه تفاصيل الكثير من الأحداث التاريخية في السودان الحديث في رحلة البحث عن سر الغموض الذي يلف غياب أحد الرموز الدينية، الطائفية، السياسية.. واسمه الإمام سفيان النصري (الغجري). تبدأ أحداث الرواية عن صحفي سودانى، يحاول أن يكشف القناع والأسرار حول غياب الامام الغجري قبل عدة عقود، ليجد نفسه أم ام ملف شائك، شديد التعقيد . الصحفي بعد أن أمسك ببعض الخيوط وقبل أن تكتمل، اغتيل قبل أن ينشر ما لديه، اصابع الاتهام تتجه الى السلطة الحاكمة، فالنظام يقبض علي حرية النشر، ويضيق على الحريات، ويمنع الحديث حول غياب الإمام. وللنظام سوابق في الاغتيالات والتعذيب، فقد اغتيل صحفيون من قبل. يلجأ آخرون ينتمون إلى مؤسسات الدولة الحديثه الي عملية تحضير الأرواح لمعرفة ماذا كان يريد أن يقول الصحفي.. تسير الرواية بأقوال روح الصحفي.. لتحكى الروح حقيقة ما جري مضافا إليها خواطره وآرائه . تكشف الرواية عن الحبل السري بين السياسي ورجل الدين وانع