كان عرفات محمد عبد الله نموذجا لذلك المثقف الرائد الذي أجاد لعبة المو از نات، كان غربيا وكان شرقيا، وكان "سلفيا متزمتا" وكان منفتحا. بإختصار كان تلك الشخصية التي تداعت فيها التناقضات لصورة الرائد المرتبك "الجاهل" لسبيله، حتى لو أنه كان مدركا له، حتى لو أنه سطر مقاله الأول في مجلة الفجر سنة 1934 بعنوان "قل هذا سبيلي". لم يكن عرفات يملك إجابات عن مستقبل أو هوية أو أي شيء من هذا القبيل، كان في الواقع يمارس التفكير بصوت عال، ذلك النوع من الجهر الذي يفضح صاحبه. وقد التفت الدكتور حيدر إبراهيم علي إلى أن عرفات "امتلك شجاعة نادرة حين حاول الا يتنافى مع نفسه"، وحين تحدث عن غردون باشا بوصفه "شهيدا"، لأنه في عرفه ببساطة مات مدافعا عن مبادئ يؤمن بها. يقول حيدر: "رغم الموقف الوطني من غردون فقد حاول عرفات أن ينظر إلى جوانب أخرى في شخصية غردون بطريقة مجردة وموضوعية قد تصطدم الشعور الوطني". تبدو المفارقة هنا في أن عرفات يخرج عن خط الهوية في آخر تجلياته في الفترة المهدوية، فغردون هو عدو المهدي وعدو الإسلام لكن بمنظور عرفات
موقع للكاتب السوداني عماد البليك يهتم بالرواية والأدب والفن والخيال