في طفولتها البعيدة وهي تلعب بين مزارع الفول والفاصوليا وتسبح أحياناً مع البنات في النهر ساعة الفيضان، لم تكن خالدة تتخيل شكل مستقبلها، توفى معظم من تعرفهم ويعرفونها، كانت تحب فصل الشتاء لأنه يسمح لها بالاختباء تحت غطاء اللحاف، لتحلم، كانت طفولتها وشبابها مليئة بالفوضى فهي بنت الجزار الذي في لمحة بصر ومحض الصدفة تحول ضمن الحرس لشخصي لوزير مهم، هي بنت المرأة الطيبة القادمة من رحم الرق والبؤس، جد كان شحاذاً وتفاصيل مربكة استمرت إلى أن وجدت راجا الهندي الطيب تاجر المجوهرات، تكتمل الفرحة بميلاد الطفلة راما، الاسم المقتبس من الخلود بقداسته وأسراره. حياتها الجديدة لم تنسها ماضيها حكايات الخالة الصحفية المناضلة عوضية، والعم الذي مات بمرض لم يمهله كثيراً وسفيان، الأخ المولع بالفن والغناء، كثيراً ما يسير الماضي كشريط سينمائي بمونتاج محكم متداخل الأزمنة. كثيراً ما كانت تشعر بوخزة في صدرها وأن هنالك ما هو مؤلم في مقتبل الأيام، يموت الأب في حادثة مفجعة وهي طالبة جامعية، بكته رغم أنه لم يعد ذلك الأب الطيب الذي كسر الأعراف والتقاليد وانتصر للحب منذ أصبح من الحاشية ومرافقاً للوزير في كل أسفاره. تشعر خالدة بحب زوجها الذي يصفها بالملاك رغم مئات الفروق الشكلية والاجتماعية والدينية وكذلك الماضي، فهي السودانية وهو الهندي، راما الصغير ابنة الحب والحلم، كان من الممكن أن تكون نهاية سعيدة لولا موت راجا ثم بقاء راما مع أهل والدها لتتغير حياة خالدة وتكثر الوخزات والألم لتقودها لنهاية مفجعة. لسنا مع رواية عادية ولا مع تحليل اجتماعي، فلسفي ولا حكاية وموعظة، يتجاوز الكاتب عماد البليك ليعزف على مائة وتر وتر، قليل من الثرثرة وكثير من الصور والمشهدية ضارباً عرض الحائط بنظريات السرد ليحيك لنا فيلماً مدهشاً رغم تشابكات كثيرة، ربما يكون مزج الفلسفة فيه تخوفات كثيرة، لكننا هنا مع إنسانة تبحر في ذاتها، تتذكر، تضحك، تتألم، تحلم وكل ذلك في خوف وترقب لنهاية كارثية، كأننا مع أسطورة وفجيعة إنسانية جديدة وصادمة تعيدنا لنستكشف ذواتنا وتثير أسئلة عميقة، لكنها تحقق لذة قرائية، مهارات عدة دون الوقوع في أورام السرد، رواية جديدة في أسلوبها التصويري المذهل، تستحق القراءة لمرات عدة وفي كل مرة ستكتسب القارئ متعة مدهشة قد تدفعه للضحك أو البكاء.
حميد عقبي – سينمائي يمني
رئيس المنتدى العربي الأوروبي، للسينما والمسرح، باريس
تعليقات