"في داخل مخيّ يتجول، كما في شقته، قط جميل، عذب وفاتن. قط بالكاد تسمع له صوتاً حين يموء «إنه روح المكان الأليفة، يحكم، يترأس، يلهم كل الأمور في مملكته، هل تراه الجن أم تراه السيد الكلي الحضور؟" الشاعر الفرنسي بودلير -1- كعادته يعشق بالتوس التسكع في شوارع المدينة، مع الفجر. يشاهد الشمس وهي تشرق بين بنايتين عاليتين قريبا من جسر يؤدي إلى الناصية الثانية من الشارع الذي يقع فيه مسكنه. كان يسير بهدوء، متأملا ماذا بإمكانه أن يرسم اليوم، ربما تولد لوحة جديدة في الذهن مع تهاويم هذا الصباح الباريسي، المعطر برائحة ذكريات قديمة، لكن احتمالات الميلاد دائما ما تصعب ساعة يبدأ في الرسم. تحديدا عندما يمسك بالريشة ويحك رأسه عدة مرات بأصبع واحد ثم أصبعين، هما متورمان هذه الأيام لمرض غامض. يكره بالتوس زيارة الطبيب، فقط عندما يتعلق الأمر بقطه الذي فقده قبل عدة سنوات؛ فلا تردد أبدا، فهو سيسارع إلى حمله في صندوق صغير بعد أن يفرش له ورد معطر من حديقة السطح في البيت، وسيكون بعد دقائق قليلة أمام عيادة الطبيب البيطري نيرون، ذلك الرجل القاسي كأسلافه. يفهم قسوة نيرون، غير أنه لا بد...
موقع للكاتب السوداني عماد البليك يهتم بالرواية والأدب والفن والخيال