التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الروائي أحمد حمد الملك يكتب:إنطباعات حول شاورما عماد البليك

رواية شاورما تطرح من الاسئلة وتفتح من الجروح أكثر حتى مما تفتح من دروب للمعضلات التي ترافق شخوصها. الشخصيات نفسها مفتوحة على العالم، مشرعة على كل الاحتمالات. لا تحمل ولا حتى إسما، مثل بداية الخلق. 
(كل الاشياء جديدة يتعين الاشارة لها) حتى الرئيس نفسه يصبح مجرد صقر جارح. في طرحها الوجودي وانحيازها لمطلق الانسان تذكّر شاورما برواية موسى ود ابنو الرائعة مدينة الرياح، تذكّر بمملكة هذا العالم لاليخو كاربنتييه. مقدرة تي نويل في مملكة هذا العالم على التحول ومفارقة الشكل البشري حين لا توجد خيارات كثيرة، ومقدرة بطل مدينة الرياح على صناعة حياته الخاصة من داخل الموت، يشابه هروب بطل شاورما، من بيت ذويه ثم من بيت خاله، يشابه ذلك الرجل الاسطوري الذي يبدو وكأنه خارج من أساطير طبقات ود ضيف الله أو من قصص الأنبياء. له مهمة واحدة في هذا العالم، أن يضع حلولا في طريق بطلنا حينما تدلهم الخطوب. يرعى مصاعب حياته، يتركه ليتعلم حتى لو كان وقت التعلم سيستنفذ العمر كله. كأن الشرط الوحيد هو فقط ألا يقع في اليأس أو الموت.
الواقع السياسي المتبدل ودوما الى الأسوأ يعيد إنتاج كل أزماته، التي يظن البعض أنه سيجاوزها مجرد أن تدق مارشات إنقلاب جديد يعيد تدوير نفس الوجوه ونفس الشخصيات الفاسدة. كأن حياة بطل شاورما هي صدى لهذا الواقع نفسه، فالأعرج والبدين هما وجهان لعملة واحدة، بمثلما يمثل واحدهما ايضا وجهي الخير والشر. أحدهما تاجر مخدرات لا يتورع عن تجنيد صبي برئ للعمل معه، والثاني يعترف فيما يشبه المجد بأنه قاتل، بل أنه لا يتورع عن السرقة من ولي نعمته، رغم أنه مستعد حتى وهو يسرق ولي نعمته أن يفديه بروحه ان دعا الأمر. والرجلان لا يخلوان من الحكمة ومن الكرم والخصال النبيلة، وتتشابه ايضا نهايتهما المأساوية وان كان البدين افضل حظا في الافادة من فوضى تغير السلطة ليهرب من السجن الى المجهول . 
أهو صدى للفصام النائم فينا، نسقط سفاح ثم نبكي عليه ونزفه، (ضيّعناك وضعنا وراك) نلوك قصص الجود والكرم ولا نتورع عن ترك كل شئ في سبيل خلاص أنفسنا من أزمات واقعنا، نعلن أننا نحب وطننا ولن نقدر على فراقه، ثم نولي منه الأدبار، ندعو للموتى ليبدلهم الله دارا خيرا من دارهم واهلا خيرا من أهلهم، ثم نرث حتى دعائنا الموتى، نبدّل كل شئ، حتى جلودنا، نهاجر، نغترب.  نصنع الانتفاضة ونبني في طوب قبرها قبل حتى أن تموت. 
شاورما عمل جدير بالقراءة. جدير بالتقدير.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

راما رواية البليك تغوص في أسرار الخلود وتتجاوز قواعد السرد

  في طفولتها البعيدة وهي تلعب بين مزارع الفول والفاصوليا وتسبح أحياناً مع البنات في النهر ساعة الفيضان، لم تكن خالدة تتخيل شكل مستقبلها، توفى معظم من تعرفهم ويعرفونها، كانت تحب فصل الشتاء لأنه يسمح لها بالاختباء تحت غطاء اللحاف، لتحلم، كانت طفولتها وشبابها مليئة بالفوضى فهي بنت الجزار الذي في لمحة بصر ومحض الصدفة تحول ضمن الحرس لشخصي لوزير مهم، هي بنت المرأة الطيبة القادمة من رحم الرق والبؤس، جد كان شحاذاً وتفاصيل مربكة استمرت إلى أن وجدت راجا الهندي الطيب تاجر المجوهرات، تكتمل الفرحة بميلاد الطفلة راما، الاسم المقتبس من الخلود بقداسته وأسراره. حياتها الجديدة لم تنسها ماضيها حكايات الخالة الصحفية المناضلة عوضية، والعم الذي مات بمرض لم يمهله كثيراً وسفيان، الأخ المولع بالفن والغناء، كثيراً ما يسير الماضي كشريط سينمائي بمونتاج محكم متداخل الأزمنة. كثيراً ما كانت تشعر بوخزة في صدرها وأن هنالك ما هو مؤلم في مقتبل الأيام، يموت الأب في حادثة مفجعة وهي طالبة جامعية، بكته رغم أنه لم يعد ذلك الأب الطيب الذي كسر الأعراف والتقاليد وانتصر للحب منذ أصبح من الحاشية ومرافقاً للوزير في كل أسفاره. تش

المناورة والطريق الأفضل.. إلى حمدوك مرة أخرى

لقد أهتم العلماء في فترة التنوير الأوروبي بالطبيعة، والأحياء، كيف تشكلت في الماضي. في سبيل السيطرة على المستقبل، لأن أدراك نسق التشكيل في التاريخ، يقود إلى التحكم في القادم.   قبل أن يأتي داروين الذي كسب شهرة كبيرة بنظرية التطور، جرب آخرون أغفلهم التاريخ هذا النمط من التفكير، ومنهم جان باتيست لامارك، الذي يعتبر أول من استخدم مصطلح البيولوجيا بالمعنى الحديث. وكان تقريبا أول من صاغ نظرية شبه متكاملة في التطور الإحيائي. استهل بذكر لاما رك، للاستشهاد بمقولته: "هل نتحرك أفضل حين تتقطع بنا السبل ولا نجد مخرجا.. عندما يتغير كل شيء؟" الفكرة تقوم على أن الكائنات في محيطها الطبيعي، دائما ما تلجأ إلى الحل في ساعات الاستعصاء القصوى، عندما يتبدل كل شيء تماما. تصل ما يمكن الاصطلاح عليه بلحظة "التلاشي". هنا تناور بطريقة جديدة. تستخدم كافة السبل الممكنة التي لم تخطر من قبل، وتستطيع أن تحدث انقلابا في الطبيعة نفسها لصالحها. هذا الأمر ينطبق ليس على الحيوانات والأحياء في فطرتها. بل على المجتمعات، ففن المناورة في "المساحات الصغيرة" أو "الفرص المعتمة" يقود إل

عن رواية الامام الغجري للكاتب عماد البليك، بقلم: فخر الدين حسب الله

في روايته "الإمام الغجري" التى يمكن وصفها بالرواية الواقعية، حيث تتحرك في جغرافيا وتاريخ محددين (السودان، 1821_الى الان)، يسرد البليك في متعة متناهيه تفاصيل الكثير من الأحداث التاريخية في السودان الحديث في رحلة البحث عن سر الغموض الذي يلف غياب أحد الرموز الدينية، الطائفية، السياسية.. واسمه الإمام سفيان النصري (الغجري). تبدأ أحداث الرواية عن صحفي سودانى، يحاول أن يكشف القناع والأسرار حول غياب الامام الغجري قبل عدة عقود، ليجد نفسه أم ام ملف شائك، شديد التعقيد . الصحفي بعد أن أمسك ببعض الخيوط وقبل أن تكتمل، اغتيل قبل أن ينشر ما لديه، اصابع الاتهام تتجه الى السلطة الحاكمة، فالنظام يقبض علي حرية النشر، ويضيق على الحريات، ويمنع الحديث حول غياب الإمام. وللنظام سوابق في الاغتيالات والتعذيب، فقد اغتيل صحفيون من قبل. يلجأ آخرون ينتمون إلى مؤسسات الدولة الحديثه الي عملية تحضير الأرواح لمعرفة ماذا كان يريد أن يقول الصحفي.. تسير الرواية بأقوال روح الصحفي.. لتحكى الروح حقيقة ما جري مضافا إليها خواطره وآرائه . تكشف الرواية عن الحبل السري بين السياسي ورجل الدين وانع