التخطي إلى المحتوى الرئيسي

* شاورما لذيذة .. .. وحاذقة *، بقلم فيصل مكي

نسخة من الرواية التي صدرت حديثاً من دار مو منت بالمملكة المتحدة -152-صفحة-ضمن سلسلة كتابات جديدة وصلتني في ودمدني من كاتبها -عماد البليك- يعمل صحفياً بسلطنة عمان ، الذي كان قد سألني مساء أمس عبر الماسنجر بتهذيب شديد إن كنت أرغب في نسخة أليكترونية، وأجبته بكلمة واحدة - ياريت-

لم أطق صبراً فشرعت فوراً في إلتهام هذه -الشاورما-ساخنة، فمن سطورها الأولى تجد نفسك أسيراً لفتنة الحكاية التي جمع كاتبها بين نضج قلم الأديب وبراعة المهندس المعماري فأنجز هذا البناء الساحر ، وقبل أن أحكي ما طالعته في الساعات الماضية كقارئ عادي لا كناقد محترف، لابد أن أذكر هنا أنني حتى الآن لم أتشرف بمعرفة أو مقابلة عماد عياناً لكنني إنتبهت لإسمه هو ومجموعة أسماء في صحيفة كنت ضمن كتابها في التسعينات، وسألت صديقي يس أبراهيم -مدير الفضائية السودانية حالياً وكان حينذاك سكرتيراً لتحرير إحدى إصدارات تلك الدار سألته من هؤلاء الأساتذة الذين يكتبون هذه الأبواب المبتكرة والكتابة المختلفة؟ كيف لم نسمع بهم من قبل وأين كانوا ؟ وهم: منير دهب ومريود وعماد البليك، ضحك يس وقال لي يافيصل ديل أولاد صغار ، منير دهب يدرس هندسة الجيولوجيا والبليك يدرس هندسة معمار في جامعة الخرطوم !
استمعت لإجابته دون تعليق ولكن داخلني إحساس ويقين بأن هذه الأسماء سوف تزهر وتثمر ..متى وأين وكيف! الله أعلم
وها هو البليك يصدر خمسة كتب من بينها أربع روايات آخرها - شاورما- كما علمت من بعض الوسائط .

- سأقص عليك ياولدي القصة التي سوف تحبها كثيراً.. ..حكاية كفاح طويل عاشه أبوك في هذه الحياة.. .. سأخبرك بكل شئ في وقته المناسب.. .. ولكن إذا قُدر لهذه الحكاية الواقعية أن تكتب في كتاب فليس هناك أفضل من عمتك لتقوم بهذا العمل بمحبة ودقة وإخلاص.
هكذا تبدأ القصة -راوي شيخ يحكي لإبنه كيف هرب وهو صبي من بيت الأسرة في شمال البلاد هرب من جحيم الاب إلى عاصمة البلاد وشق طريقاً قاسية ذاق فيها كل صنوف العذاب ثم كان على موعد مع الحظ عبر أسرة تركية فقدت إبنها برصاصة طائشة في إحدى المغامرات السياسية الهوجاء التي ظلت تتوالى على البلاد وتصادف أن إبنهم القتيل يشبه بطلنا الهارب من أسرته. ليكون هو الحصان الأسود كما يقال ويدفع أعمال التركي وزوجته بما يشبه المعجزة حتى صار من علية القوم عبر إفتتاح سلسلة من مطاعم الشاورما ، وتمكن البليك ببراعة الكاتب المقتدر أن يكسو هذه التيمة بنسيج كثيف عرض خلاله التحولات الكبيرة والتغيرات الجذرية التي شهدتها البلاد سياسية واقتصادية واجنماعية وأهوال الحروب وانشطار جزء من أرض الوطن.
براعة البليك تتجلى حين يحيلنا إلى صوت راوي آخر في (زمن) آخر على طريقة ال Flashback حين كان هذا الأب صبياً، لكنه لا يريح القارئ ويبدأ من أول السطر ببداية هروبه من البيت وإنما يقدم مشهدأ وكأنه من سينما هوليوود ، صبي على سطح قطار مزدحم وبجواره شيخ غامض لا تستطيع توصيفه إن كان ملاكاً أو شيطاناً دجالاً مشعوذاً أم هو الرجل الصالح، ورغم انه فارقه عن عمد او ضاع منه إلا أنه ترك معه مخلاة فيها مصحف ومسبحة واوصاه ان يتمسك بهما ، وقد كان ، إلا أن هذا الشيخ يظل حاضراً بطريقة ما طيلة مسرة البطل في حياته التي تتحول إلى قصة صعود وكأنها عملية تسلق إلى قمة جبل شاهق ، رحلة وعرة عبر دروب مليئة بالعثرات وكلما عثرت خطواته وفكر بالرجوع نظر تحته - وراءه- (الماضي السفح _جحيم والده السكير القاسي المتنمر على اولاده وزوجته والخانع الذليل أمام مخدمه حاكم تلك المنطقة، والذي لا يتورع عن سرقة الوقود من عربة الحكومة التي يعمل سائقاً بها على مرأى من أبنائه بل مورطاً لهم في الجريمة ليصبح بذلك فاسداً ومفسداً بامتياز
هذا الماضي البشع لايشجع الصبي على التراجع من المضي في رحلته وصعوده القاسي مدعوماً بالدروس والنصائح ممن دفعته الظروف الى جوارهم او جاءت بهم في طريقه
الاعرج: حدد هدفك
التركي:الالتزام والدقة في الوقت
- :هذا البلد يقوم على النفاق ،إذا لم تكن كذلك لن تنجح
هروب الصبي من بيت الاسرة يعقبه هروب ثاني من بيت خاله الذي لجأ إليه في غربته في العاصمة ويهرب من بيت خاله -المدير الكبير في البنك الكبير والقيادي الكبير في الحزب الكبير بعد ان شاهد فيه كل انواع المهازل التي يمارسها علية القوم كما تعرضت حياته للخطر والعنف والسرقة والتحرش الجنسي من زوجة خاله وتوريطه في اعمال مخالفة للقانون
رحلته في الحياة قادته لعوالم متعددة بين مخافر الشرطة ومابس اجهزة الأمن الإقتصادي والى جوار المتسولين والمشردين واصحاب المهن الهامشية وضحايا المجاعات والحروب من مختلف انحاء البلاد التي تمزقها الصراعات السياسية والانقلابات العسكرية والفقر والجهل والظلم الاجتماعي والفساد بكل انواعه
وكان بطلنا على موعد مع القدر رجل تركي صاحب مطعم الشاورما وزوجته ليشق طريقه بالعمل معهم بعد تعلقهم به كإبن بديل ،وسجل له -العم-الركي نصف ثروته ، بل أصبح الوريث لكل الثروة والاعمال التي قادها هو بصبر واقتدار
ويصعد بطلنا إلى القمة إلى الطبقة العليا ، يصف ذلك : تضاعف المال وأصبحت خبيراً في الرشاوي واقتناص الفرص وسط تجار السوق ورجال السياسة والعساكر وهذه الفوضى التي اسمها -الحرص على المصالح العليا
وكان بطلنا يردد: يعتقد زبائني انني تركي ابن تركي وكنت استغل هذه الوضعية الجديدة بكوني اجنبيا لأحصل على امتيازات،فقد صار للغرباء وضع مميز في بلدي
هذه خواطر عابرة عن الساعات الثلاثة التي قضيتها كقارئ عادي كما ذكرت سابقاً مع هذه الشاورما الممتعة
حفظك الله ورعاك يا عماد ولك التهنئة وانت تقدم هذا التصوير البارع للتحولات والمتغيرات التي اجتاحت بلادنا وناسنا.
ملحوظة: ياجماعة مافي زول يقول لي لز لي النسخة العايز يتصل بعماد النسخ المطبوعة والألكترونية متاحة للبيع ما فيش ملح هههههههههههههههه
— مع عماد البليك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فصول من رواية "دماء في الخرطوم" الصادرة عن دار الفارابي

واحد   داخل المكتب المؤثث على طريقة عصرية، بديكور داخلي راقٍ، رنّ الهاتف النقال على الطاولة الخشبية لأكثر من مرة قبل أن يضغط عبد الحفيظ على الزِر ليردّ على المتحدث من الطرف الآخر.. لقد جرت العادة ألا يستقبل أي مكالمة من رقم مجهول بالنسبة له، لكن إصرار المتصل على تكرار المحاولة للدرجة التي استفزّت المجموعة الجالسة حول طاولة الاجتماع، جعلت عبد الحفيظ يردُّ أخيراً: - عفواً.. من يتحدث معي؟ قالها هكذا، دون أن يردَّ تحية المتصل. - معك اللواء طه عبد الرحمن مدير عام الشرطة. قبل أن يكمل، كان عبد الحفيظ قد نهض من على الكرسي الدوّار، وبحركة لا شعورية جرّ الكارفته تدريجياً إلى أسفل، قائلاً: - نعم سيدي.. تفضل، ما الأمر؟ ليس من عادة عبد الحفيظ أن يطيل المكالمات، لقد تعلم هذه العادة من سنوات عمله بالولايات المتحدة أثناء تدرّبه في إحدى الشركات هناك، بعد أن أكمل دراسته في الهندسة المدنية، قبل أن يعود إلى الخرطوم قبل شهر من الآن، لينشِئ شركة للمقاولات بإمكانيات مادية كبيرة. بدا له أن الضابط مرتبك وغير قادر على الإفصاح، ولثوانٍ ظلّ صامتاً، فيما كانت المجموعة الأجنبية الجالسة ح...

هل نضب الخيال؟

إشكاليات الذائقة الفنية والتلقي الجمالي عند العرب عماد البليك: منذ أن قدم الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي أطروحته الجمالية حول "الخيال الشعري عند العرب" وخلص إلى أن الأدب العربي لا ينظر إلى المستقبل ولا ينفذ إلى صميم الأشياء وأنه "كلمة ساذجة" فإن الموقف لا يغادر موقعه، فالإشكاليات لاتزال قائمة إلى اليوم، والبحث عن تحرير الخيال لا يزال معطلا، كما أن الذائقة الفنية والجمالية تقاوم معوقات متجذرة يبدو الفكاك منها صعبا رغم الانفتاح الذي أتاحته الوسائط الحديثة للتلقي والمعرفة.  وإذا كانت مائة سنة تكاد تفصلنا، عن أطروحة الشابي، أي ما يقارب القرن، فالسؤال القائم ما السبب الذي عطّل مشروع الإنتاج والتلقي الجمالي عند العرب، ولماذا هم إلى اليوم يتعاملون مع العالم على أنه أقرب إلى المسطحات والثنائيات منه إلى شيء عميق له أبعاد متعددة وأوجه متنوعة، وهذا ينطبق على الممارسة الفنية كما ينجر بدرجة أوضح على استقبال الرسائل الجمالية أو الفنية، سواء أنتجت في محيط عربي أو عالمي. كانت فكرة أبوالقاسم الشابي تقوم على الخلاصة التالية: "قد انتهي بي البحث في الأدب...

راما رواية البليك تغوص في أسرار الخلود وتتجاوز قواعد السرد

  في طفولتها البعيدة وهي تلعب بين مزارع الفول والفاصوليا وتسبح أحياناً مع البنات في النهر ساعة الفيضان، لم تكن خالدة تتخيل شكل مستقبلها، توفى معظم من تعرفهم ويعرفونها، كانت تحب فصل الشتاء لأنه يسمح لها بالاختباء تحت غطاء اللحاف، لتحلم، كانت طفولتها وشبابها مليئة بالفوضى فهي بنت الجزار الذي في لمحة بصر ومحض الصدفة تحول ضمن الحرس لشخصي لوزير مهم، هي بنت المرأة الطيبة القادمة من رحم الرق والبؤس، جد كان شحاذاً وتفاصيل مربكة استمرت إلى أن وجدت راجا الهندي الطيب تاجر المجوهرات، تكتمل الفرحة بميلاد الطفلة راما، الاسم المقتبس من الخلود بقداسته وأسراره. حياتها الجديدة لم تنسها ماضيها حكايات الخالة الصحفية المناضلة عوضية، والعم الذي مات بمرض لم يمهله كثيراً وسفيان، الأخ المولع بالفن والغناء، كثيراً ما يسير الماضي كشريط سينمائي بمونتاج محكم متداخل الأزمنة. كثيراً ما كانت تشعر بوخزة في صدرها وأن هنالك ما هو مؤلم في مقتبل الأيام، يموت الأب في حادثة مفجعة وهي طالبة جامعية، بكته رغم أنه لم يعد ذلك الأب الطيب الذي كسر الأعراف والتقاليد وانتصر للحب منذ أصبح من الحاشية ومرافقاً للوزير في كل أسفاره....