التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من مارس, ٢٠١٥

الصور النمطية للسوداني

مع إعلان الرئيس السوداني دخول السودان في طرف التحالف العربي في حرب اليمن وبغض النظر عن مناقشة مقتضيات هذه الحرب وهل هي صحيحة أم لا، فالذي أهدف لمعالجته هنا، ما يمكن الاصطلاح عليه بالصورة النمطية للشخصية السودانية سواء في المخيلة العربية، وهو موضوع كثيرا ما أنفق عليه الكلام والبحث ولكن دون الوصول إلى نتائج محددة بشأنه. وقد سألني أحد زملائي عن السبب الذي يجعل البعض يصف السوداني بأنه كسول، رغم أن هذا الحكم ليس سليما برأيه، فثمة سودانيين يعملون بجد ونشاط لأجل أن يحققوا أهدافهم في الحياة ويحرزون النجاح وفي كافة المهن والمناصب والمقامات. والواقع أن هذه الصورة موجودة خاصة اذا ما قمنا بربطها بالسياق الاقتصادي والراهن الحالي للدولة السودانية حيث أصبحنا في ذيل الدول من حيث صعوبة الأوضاع الاقتصادية وانهيار الكثير من المنظومات بحسب ما يأتي سنويا في تصنيفات المنظمات والتقارير الدولية، وبغض النظر اتفقنا مع هذه التقارير أم اتفقنا حولها فهي ذات أثر في الأخذ بها من قبل الكثيرين في العالم. لكن الصورة النمطية للشخصية السودانية هي أبعد من ذلك وهي ليست وليدة اللحظة، وربما لعبت بعض الظرفيات ال

حنين القواديس !

توجسات اليومي والعادي والانتظار لمجهول غامض. أحداث متسارعة كل يوم لا نعرف أين ستقودنا، أين هي البدايات القديمة وأين هي النهايات الجديدة العجولة؟ يقف الحائر عند مسافة معينة لا يعرف كيف يقدرها، هل هي البداية التي كان يتطلع لها أم هي نهاية جديدة لقدر لا يعرف كيف جاء وكيف غامره في جنون ليرسم له حيرة أخرى! يتسابق صوت الزمن والظنون والحكايات العجيبة.. الموت والانتفاء ومن ثم لهفة الحياة واليقظة.. حيث لا مسافة فاصلة بحق بين هذا وذاك.. وحيث لا يعرف ذلك الكائن الحائر مجددا عهده مع الأشياء. يعود بالذاكرة إلى قبل يوم أو يومين أو ثلاثة ليس ثمة فرق.. فالأيام باتت متشابهة كأنها مستنسخة بحبر واحد.. ورق واحد.. مسطر.. ملون.. لا فرق كثير.. فالأيام بأوجاعها تتحرك نحو ذلك الغموض.. الحيرة الكبرى.. الانكسارات القديمة والمتجددة. يجرب أن يفعل شيئا مختلفا.. لكنه لا يقدر على تحديده.. أن يخرج عن طاقة محدوده إلى مطلق آخر رائع ومجنون.. في حدود الذات الثانية التي تسكنه والتي لم يعلن عنها.. تلك الذات التي تكتنز الأسرار والأحزان والأفراح في بوتقة واحدة.. يسمع أصوات تناديه من المجهول والغيب.. من وراء السنوات

توثيق الفنون والتراث

أذكر ونحن في سن الطفولة كانت تصدر سلسلة كتيبات عن الأغاني السودانية تباع في كل مكتبات البلاد تقريبا، ولا أعرف من صاحب الفكرة وكيف بدأت ولماذا توقفت؟ رغم أنها فكرة جيدة في توثيق الأغاني وفي ربط محبي الغناء بالكلمة مدونة.. وقطعا في قراءتها إحساس يختلف عن سماعها. وبشكل عام فإننا في السودان نفتقد إلى عملية التوثيق كما النشر في هذه المجالات، كما نفتقد أيضا إلى الدراسات وكتابة السير، ففي مجال الغناء أيضا لا أعرف كتبا كثيرة وثقت لحياة فنانين بحيث يكون الكتاب كله كاملا عن فنان من الألف إلى الياء. غير أنني أتذكر فقط ما كتبه الدكتور على المك عن عبد العزيز محمد داؤود، رغم أنه كتاب متوسط الحجم ولا يعكس كل مشروع أبو داؤود الفني.. ففنان بقامة محمد وردي أو محمد الأمين أو عثمان حسين وشرحبيل أحمد وغيرهم، لم نقرأ كتبا عنهم، فقط نكتفي بما يمكن أن نقرأه من شذرات هنا وهناك في طيات أوراق الصحف أو ما نسمعه في برامج متفرقة كما في برنامج "أغاني وأغاني" الذي يحسب له أنه يقدم خدمة طيبة في المجال التوثيقي. لكنها منقوصة لافتقاد التدوين. وإذا كان التوثيق الفني أو للغناء باعتباره أكبر مدونة ف

رد الاعتبار للعرفان

 في قصيدة جديدة للشاعر هاشم صديق يقف ضد الحكومة كما يقف ضد المعارضة، كلاهما تاجر وبائس ولا يفكر في مصلحة هذا الوطن. والمال هو الذي يحرك اللعبة. ومنذ فترة كنت قد كتبت أن المعارضة والحكومة في ظل غياب نسق اجتماعي يفرز الأشياء هما يدعمان بعضهما البعض. لأن المفهومين لا يتعارضان إلا في ظل حالة سوية يفتقد لها السودان أساسا، وهذا ما يقود إلى سؤال بسيط.. ولكن ما الحل؟ كيف سيصل السودانيون إلى نهاية مطاف لسنوات من الترويع والتجويع والخوف وفوبيا الانكسار والاحباطات والألم النفسي والجوع والبلاوي والفساد والغباء السياسي وممارسة التشرذمات أي كان نوعها؟ كيف سيكون لهذا الوطن الجريح الذي كان نسرا قويا محلقا، صقرَ جديان أن يُهب من جديد وبقوة إلى الأعالى ليحقق حلم محمد محمد علي ومنذ الأربعينات، وهو ينشد: أمة للمجد والمجد لها  وثبت تنشد مستقبلها هذه الوثبة التي استغرقت كل هذه العقود الطويلة ولم نصل بعد. فهل سقطنا في الفراغ العريض أم ابتلعنا ثقب أسود فدخلنا في مجرة وعوالم أخرى؟ أم أننا ما زلنا بحساب السنين الضوئية في رحلة توهان بين المجرات والأكوان المتوازية نحاول أن نفهم أين نحن بالضبط.. بحسبان الأنا

إشكاليات الذائقة الجمالية

قد يختلف البعض معي منذ البداية حول ما سأطرحه، لكن لنأخذ الأمور رويدا، والسؤال البسيط الذي أطرحه، هل لدينا إشكال في التلقي والذائقة الجمالية، سواء تعلق الأمر بعمومية المعنى في مسائل الحياة والقراءة البصرية والاقتراب من ما وراء مكنونات العين والبصيرة، أو بمعنى آخر في الذائقة الأخرى التي مكانها الذهن والمتعلقة بالوعي المطلق للجمال والانتباه لما وراء المحسوس والمرئي والمباشر، ويتضمن ذلك القراءة والتمييز بين الكتاب والآخر، معيار يسميه البعض الجودة أو الاستنارة أو المتعة سواء كان النص الذي أمامنا شعرا كان أم رواية أو كتابا في الثقافة بشكل عام. سأذهب إلى الافتراض الذي قد يكون محور الخلاف، وهو قضية ضعف التخييل العام وقيام الوعي الجمالي على مرتكزات كلاسيكية في الرؤية والتلقي والاندغام مع العوالم الفنية أي كان نوعها. طبعا هذا الكلام قد يكون صادما ومباشرا، ولكن لو عدنا لطبيعة مُشكِّلات الأساس الجمالي عندنا لوجدنا أنها في جوهرها بائسة وفطرية، لم تغادر روزنامات الحياة الفطرية والطبيعة والبيئة المحيطة والتي لم تتطور بالمعنى الملموس في تشكيل ثقافة جمالية حديثة، وسأمضي إلى أبعد الأمثلة وأق

ابن عربي "الهندي" !

"...إن الغرور الذي ينتاب أحيانا عقول الناس يمكن إزالته تدريجيا.. أما غرور القديسين بقداستهم فازالته أمر في منتهى الصعوبة..." راما كريشنا عن شر العزة بالنفس *** كثير هم العظماء الذين يأسرون المرء بتجاربهم الثرة، راما كريشنا، واحد من هؤلاء، رجل هجر طبقة "البراهمة" – علية القوم – وآثر أن يعيش مع العامة، فأعاد تشكيل حياة الملايين من الهنود. يقول عنه "هيسوا رانندا" مقدم كتاب "الحقائق الروحية – مختارات من راما كريشنا": إن تجربته فريدة في نوعها، فعلى عكس الكثيرين الذين يبدأون الرحلة بالسؤال ومن ثم السير في مسار طويل، فإن كريشنا كان على العكس تماما.. إذ أنه بدأ تجربته الروحية أولا وبعد ذلك عكف على الممارسة. مثال راما كريشنا في هذه التجربة، كما يقول رانندا، مثل ثمرة الأناناس، التي تعطي الثمرة قبل أن تهب الزهرة. هكذا هي الطبيعة نتعلم منها. كما تعلم كريشنا، الذي ينتمي لتلك الأرض العبقرية، الهند، الزاخرة بالتنوع والثقافات الحرة، والمقيدة أيضا، لكنها وهبت البشرية روحا خاصة على مدى قرون طويلة. إن كريشنا بحسب من درسوا فكره أشبه بمن عرف &quo

المجنون !

يرى آينشتاين أن الجنون هو "أن تقوم بفعل الشيء نفسه وتكرر ذلك بظن أنك سوف تحصل على نتيجة مختلفة".  وهو تعريف مختلف عن السائد في أن المجنون يفعل أشياء غير مكررة، فالعادة أن الناس تتوقع أن يقوم ذلك الشخص غريب الأطوار بعمل أشياء غير متوقعة وصعبة التكهن بها. وقد يكون ما يتحدث عنه آينشتاين متعلق بالجنون في حيز معين متعلق بالمعرفة والعلم، أي مجنون العلم الذي لا يقدم جديدا، وهذا أيضا يخالف الصورة الذهنية التي يصبغها الناس على الشخص الذكي أو العبقري بأنه مجنون، فيقال إن فلانا مجنون لأنه قام بعمل مدهش وغير متوقع يشكل ابتكارا أو اختراعا أو أية إضافة معينة للإنسانية. إذا كان ثمة اتفاق مع التعريف الذي أورده آينشتاين في العموميات، فإن الاتفاق الكلي ينطبق على الجزئية الأخيرة المتعلقة بمسألة النتائج.. لأن المجنون دائما ما يرغب في نتائج مختلفة. فهو لا يركن للعادي والمكرر والمعاد، حيث يريد أن يصنع الدهشة والفرصة الجديدة حتى لو جاء ذلك بسياق غير عقلاني وغير مؤسس له. درجنا في حياتنا العادية، اليومية، أن نصف المجنون بأنه مفارق للسائد، يقوم بأفعال غريبة لا يمكن التنبؤ بها.. ولا نتحدث عن ا

صندوق "بنو حنظل"

أحيانا تشعر بأن الزمن لا يتقدم وكأن الأشياء نفسها يعاد إنتاجها دون إضافة ولا تقديم أو توظيف للمواهب، وسأتحدث اليوم عن قصة وردت في كتاب (حكايات كانتربري السودانية) لمحرره دونالد هولي"، وهي الحكاية رقم واحد التي جاءت بعنوان "حكاية الضابط الإداري يوم الانتخابات في (أم بطيخ)"، حيث يقطن بنو حنظل من الأبالة، وهي قصة تصور لنا كيف أن اللعب والتلاعب بدأ منذ أيام مبكرة، فمنذ تلك الفترة في سنوات الإنجليز احتال سكان تلك المنطقة المقطوعة ليكون لهم تزوير الانتخابات والفوز بها وممارسة فنون لا تعرف من أين تعلمونها بالضبط، وكأن هذا الشيء متأصل فيهم. إن القصة تراجع مسائل محل شك إلى اليوم كالنزاهة المفترضة في قضايا الانتخابات أو الشفافية المجتمعية التي تغيب عن كثير من تفاصيل الحياة، وربما السبب الذي يمكن إرجاع الظاهرة إليه هو المادة والسلطة، فكلاهما يعمل على أن يجعل الإنسان يتأخر في الجانب الأخلاقي والقيمي ليفعل ما شاء دون أدنى حياء، وكما قيل "فإذا لم تستح فأفعل ما تشاء"، والقضية أبعد من الحياء لأن السياسة والسلطة الممارسة في السودان، لا تعرف ولو هذه القواعد البدائية

عن المسرح في الحياة السودانية

إشارة : لست اختصاصيا في مجال المسرح، وهذه الدراسة كان من الممكن أن يقوم بها بشكل أفضل مني الأستاذ السر السيد، الذي كان قد قدم مقالة مقتصبة على موقع الشروق بعنوان "المسرح في حياة السوداني" نشرت بتاريخ 31 يناير 2013، أو كذلك الدكتور شمس الدين يونس. غير أن رؤية منامية هي التي أملت علي أن انهض في منتصف الليل لابدأ في تجميع المراجع واستنهاض همتي بعد غياب عن الكتابة الممنهجة لفترة، فقد رأيت أحد أقاربي – رحمه الله – ولم يكن له علاقة بالمسرح، يؤلف في الحلم كتابا عن المسرح في السودان ويشير فيه لأمور مدهشة وهو يكتب بطريقة تمزج بين الفلسفة والنقد والتاريخ بما يجعله أقرب إلى مفكر غربي، وليكن الأمر كذلك فالأحلام تقبل كل شيء. وقريبي هذا تزوج من خالتي "سعاد" التي ألف جدي (والدها) باسمها مسرحية مثلت في مسارح بربر أواخر الستينات، وقد ضاعت نسختها الأصلية وسواها، بسبب الإهمال من الأسرة، وأتذكر في طفولتي أنها كانت منسوخة في كراسة ولم أعرف عنها شيئا فيما بعد، ويبدو أنها تتحدث عن التعليم وخروج الفتاة إلى المجتمع وغيرها من هذه الأمور، فجدي كان من "الأخوان المسلمين" وربما