التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من أبريل, ٢٠١٥

النظر إلى العالم بالمقلوب

في 12 ساعة فقط.. نصف يوم فقط.. يروي لنا دان براون في روايته "الرمز المفقود" أسرار المدينة التي يحفها الغموض.. نيويورك.. في عمل يأتي مكملا لراوية براون ذائعة الصيت "شيفرة دافنشي"، من ناحية الأفكار لا الحكاية، وإن كان بطل الرواية الجديدة هو "روبرت لانجدون" الذي كان بطل الروايتين السابقتين للكاتب نفسه، "شيفرة دافنشي" و"ملائكة وشياطين". طبعا صدرت بعد "الرمز المفقود" روايته الأخيرة "الجحيم". تأتي "الرمز المفقود" لتثبت قدرة هذا الرجل العجيب براون على المزج بين الحقائق والأساطير وخيال الكاتب الباذخ القادر على توليف عالم مواز تماما للعالم الذي نعيش فيه. بحيث يرتبك المرء أين هي الحقيقة؟ والمضحك في الأمر أن الكثيرين ينظرون إلى أعمال براون على أنها تفكك الرموز الدينية والعلموية لتقودها باتجاه الحقيقة.. يحدث هذا بنحو ما، لكن ليس بالنحو الذي يروج له في غالب الأحيان في وسائل الإعلام أو من قبل النقاد. فبراون وبشهادته الذاتية نفسه، ليس إلا كاتب مسلٍ.. يلعب على ثيمات ألفها البشر ليحولها إلى مادة قابلة للقراءة وا

صوتك الآخر!

وإذ به الرجل الذي أنفق عمره في الترهات يقف اليوم مع نفسه ليدربها على الالتزام، وإذ به يقول إنه لن يكون إلا هو ولن يستجيب إلا لصوت ندائه الداخلي العميق. ولكن أحيانا تتداخل الأصوات، بحيث لا يمكن فرز المعنى عن اللامعنى، الشكوك والظنون عن اليقين، بحيث تصير أنت ذات منشطرة على ذاتها، ليس لها من طريق واضح ولا عنوان في سابلة الحياة وعلاتها المتصلة. هذه المساحة التي تقف فيها الذات حائرة، يمر بها الكثيرون، ففي مرات كثيرة يصعب اتخاذ القرار السديد، هل أسير ذات اليمين أم ذات اليسار، هل أنا أمشي باتجاه الحق أم باتجاه الباطل، وأي دليل يمكن أن يرشدني لما يجعلني صائبا؟! ينتج ذلك عن عوامل عديدة، ليس أولها النفس البشرية التي هي أصل متنازع لا يقف عند لون محدد، فالنفس تتراوح في أغلب الأحيان والظروف بين اليقين والشك وبين الضلال والإيمان وبين الرأي الجيد والخطل والغياب الأكيد عن رؤية المعاني السامية.  والنفس هي كذلك مشوبة بالحذر والخوف والإصرار وهي ذاتها التي تتسلح بعض المرات بالشجاعة الفائقة بحيث يصعب على المرء أن يصدق أن هذا هو، أن ذلك الشخص الذي يسكنه في داخله ينتمي له وليس كائنا آخر غريب الملام

بانكسي في السودان

بانكسي لمن لا يعرفه هو فنان عالمي اشتهر برسوماته من الجرافيت التي يرسمها على الشوارع وفي حوائط البيوت وذلك في مدن العالم المختلفة، حيث يظهر بشكل مفاجئ ليقدم أعماله العظيمة دون أن يراه أحد أو يشعر به في العادة، عندما تكون اللوحة جاهزة وكأنه كائن غامض قادم من الفضاء قد أتى ورسمها وذهب أو ملاك ليلي يمارسه عمله بإخلاص دون أن يشعر به أحد، والأغرب أن هذا الفنان الغامض يظهر في مدن مختلفة وفي أوقات عصيبة كالحروب مثلا، ففى الحرب على غزة الأخيرة كان قد رسم لوحاته في القطاع، ومضى دون أثر. يمارس بانكسي في أعماله السخرية اللاذعة، يرسم ساخرا من الوقائع اليومية المباشرة الملتصقة بالحيثيات الحية في المكان الذي يقدم فيه لوحاته، وإذا كان من تعريف لهذا الرجل، الكائن، أو أحيانا المرأة، حيث لا أحد استطاع أن يحدد هويته، فإنه ينسب إلى بلدة قريبة من بريستول الإنجليزية، يقال إن اسمه روبرت بانكسي، ولكن عموما لا تأكيد على أي من تفاصيل حياته الغامضة جدا. فسيرته الشخصية تظل غير معروفة البتة، كما أنه عندما فاز في عام 2007 بجائزة أعظم فنان يعيش في بريطانيا، لم يحضر لاستلام الجائزة وهو الأمر الذي كان الجميع ي

نوستالجيا المثقف!

كثيرا ما نردد كلمة نوستالجيا وفي مواقف عديدة، وهنا أتحدث عنها في إطار الثقافة والمثقف، وقبل ذلك أتوقف عند معنى الكلمة أو دلالتها التأسيسية حيث أن النوستالجيا في اليونانية القديمة تعني الشوق والألم، فهو نوع من الاشتياق والتذكر والوله المشوب بالحنين وإن كان مؤلما في الوقت نفسه، وهو "ألم الجهل" لأن الذات ما زالت غارقة في الماضي والأمس لم تصل بعد إلى مساحة جديدة حقيقية، حتى لو أنها في تمظهراتها تقول غير ذلك، لأن الأساس والجوهر القديم ما زال باقيا ومتجذرا. وغالبا ما يستخدم اصطلاح النوستالجيا في معناه العملي والمباشر لوصف الحنين إلى الماضي، عند من يعاني ذلك "المرض" بحيث يكون لديه هوسا أو نوع من المعاناة النفسية وحيث يظن أنه لن يستطيع أن يعود إلى بيته ودياره التي غادرها أو أنه سيظل يعيش اكتئابا كبيرا جدا لا يقدر على الانفكاك منه أبدا. كما توصف النوستالجيا على أنها حالة مرضية أو شكل من أشكال الاكتئاب خاصة إذا أصبحت ملحة ومتكررة بحيث تشكل عمى للذات عن رؤية المستقبل والتبصر الأفضل للحياة بحيث تعيق الإنسان عن الفعل الفاعل والإرادة السوية التي تصنع الجديد وتنشد المبتكر

ترويض الفيلة

تُعلمنا الفلسفة أن التفاصيل المهملة قد تكون لها قوة وقدرة جارفة بل أنها قد تكون أهم بكثير من الكتل الكبيرة التي يظن الإنسان أنها هي الحقيقة والنهايات والبدايات.. وبالأحرى تعلمت من المفكر والفيلسوف الفرنسي "جيل دولوز" وأنا أتأمل تجارب "الثورات الجديدة" أعني خلاصات ما مر بالعالم العربي وفي اليونان وبعض دول شرق آسيا وأوكرانيا وفي نيويورك من حركات التغيير، التي جرت سريعا في السنوات الماضية وتتحرك إلى الآن بعض النظر عن النتائج.. تعلمت من ذلك قيما كثيرة لخصها دولوز في قوله: "إذا كانت القدرة تعني السيادة فإن الدولة هي التي ستكسب دائما.. أما إذا كانت القدرة تعني الابتكار وقلب الشفرات وإجراء عمليات الترحيل والتي تتم جميعها على المستوى الذري فإن الدولة هنا ستخسر لا محالة لأنه ليس بمقدورها مراقبة كل شيء.. كما أن قدرتها على الاحتواء محدودة". ويرى دولوز أن هناك مجالين في الفيزياء المعاصرة هما: المجال الكتلي والذري.. ويقابلهما بالمجتمع.. أو السياق الاجتماعي أيضا ذات المجالين، حيث الكتل هي التي تسعى لصياغات شاملة مشفوعة بالهيمنة وآلة الحرب الضخمة، بينما الذراري هي

April Uprising in review

Emad Al Blake The anniversary of the April 1985 uprising passed silently. It was marginalized and forgotten. It seems as if an alienated memory is trying to say that history has been deviated from its path or disoriented. Is it a revolution or an uprising? Or is it simply one of the curses that passed in the modern history of Sudan as tens of events thought to be central and efficient in deciding the future of the Nation, but finished to the nothingness, to throw us once again in the initial point? We must simply remember that a proper review should take place after quite a reasonable time in order to be able to see the impact of the events. Did we enter in a new phase or is History is just reproducing itself in the same way. I think that this is our reality, and maybe worse… For half a century, Sudanese are judging two events as milestones and historical, the revolution of 21 October 1964 and the uprising of 6 Avril 1985. The two events symbolize the idea of change and the cap

معان لفلسفة السعادة !

يذهب مفكر الثورة الفرنسية «روسو» إلى أن السعادة تعني إشباع مختلف الحاجات، محددا إياها في حساب جيد في البنك وطعام مطهي جيدا وهضم جيد. قد تكون هذه الصورة الأبسط للسعادة وهي تتعلق بالمعاش اليومي والاحتياجات الضرورية ومعنى الإنسان المادي البحت، لاسيما في ظل الحياة التي بات طابعها الاستهلاك وتكاد قد تلاشت فيها أنظمة المجتمع القديم الذي أبرز سماته التوازن الذي تخلقه طبقة وسطى هي الغالب الأعم لهذا البناء الاجتماعي. لكن من العبط أن نفهم السعادة في هذا المعنى المباشر والمادي البحت، إذ أن هناك ما هو أعمق كما يقول الخبير العالمي «داينز» المهتم بفكر السعادة، الذي يذهب إلى أن السعادة تعني مواجهة التحديات بأقصى حدود القدرة، ليكون ذلك مصدرا للشعور بالبهجة. في الفلسفة القديمة نجد أن «أرسطو» يقول لنا إن كل هدف لا يعد هدفا إلا بالغاية النهائية التي يسلم بها، بمعنى أن السعادة إذا كانت هدفا للإنسان، فإنها وعلى طريقة «داينز» ناقصة لأن الإنسان لم يصل للغاية النهائية، فهو طريق المواجهة، لم يحقق بعد نتائج هذه المواجهة، التي هي الانتصار، ولكن كيف ينتصر الإنسان وضد من؟ هذا هو مربط الفرس، الذي يقود لسؤال

الشوفينية

يظهر الفرنسي نيكولاس شوفان أو شوفين، المولود سنة 1790م كصورة للجندي المغالي في وطنيته وبإفراط دون أن يكون له عقل يميز به بين حقائق الأمور، لأن غاية حبه مركبة على حب السيد نابليون بونابرت والعمل على خدمته وخدمة جيش الجمهورية الفرنسية، وإذا كان مصطلح "شوفيني" قد جاء من هذا الرجل الذي بات فيما بعد مثارا للسخرية اللاذعة بعد أن كان في البداية مضربا للمثل في التغني بحب الأوطان، فإن الشوفينية التي تقترن به، باتت اليوم عالما غائما يسيطر على مكامن الأزمات في العديد من الدول والمجتمعات حيث عمل على ميلاد أنماط من التفكير ذات المسار الأحادي التي تظن أنها دون غيرها التي تعرف حقيقة الوطنية وما سواها باطل ولا يفقه في ذلك شيئا. وإذا كان نيكولاس مضحيا، حيث يقال إنه جرح 17 مرة في معارك مختلفة أدت لتشويه جسده، إلا أن الشوفينيين الجدد ليس لديهم أدنى مغامرة أو تضحية مقابل إيمانهم المشوه بمعنى الوطنية وإصرارهم على الخط الأحادي في فرض الرأي ومصادرة الحريات، وتحويل الجميع إلى أعداء لأنهم يخالفونهم الرأي. وتضحية هؤلاء تقتصر على الزج بآخرين في الجحيم والبقاء في موقف المتفرج الذي ينتظر أن ت

التجربة الفنلندية

أحيانا يكون ممكنا القفز على الزمن والبداية بالنهايات، رغم أن هذه المسألة قد تكون محفوفة بالمخاطر إذا لم تأت بالدراسة الكافية والوجه السليم. وهنا سأعرض لنموذج جرى تداوله في الأيام الماضية عن قرار الإدارة التعليمية في فنلندا حول إدخال تعديل جذري في نظام تعليمها الأساسي يقوم على مفهوم التدريس اعتمادا على "موضوعات" بدلا عن "مواد دراسية". يعني ذلك ببساطة إلغاء التقسيم الكلاسيكي للمواد الدراسية، كحساب ولغة وعلوم وجغرافيا وتاريخ وغيرها. والانتقال إلى تعاطي موضوعي يجعل التلميذ يتعامل مع موضوع أو قضية معينة ومن خلالها يتم التعرف على الكليات والأنساق المختلفة للمعرفة الإنسانية، ويذكرني ذلك بمنهج الجغرافية القديم الذي كان يقوم على زيارات افتراضية لأماكن مختلفة من السودان ومن خلال زيارة كل منطقة، يتم تعريف الطلبة على الحياة والعادات والثقافة والتقاليد والجغرافية وغيرها، وإن لم يكن ذلك المثال أو النموذج مكتملا بالمعنى الوافي. لكنه يقدم صورة أولية. حيث أن المقصود هو أعمق من ذلك. والنظرة الموضوعية إلى المعرفة أو التعليم بأخذ الشمول والرؤية الكلية للأشياء، باتت سمة من س