التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ظلال «أن تعيش لتحكي»

بين النجاح وحلم النجاح خيط شفاف‚ اذا امسك المرء بطرفه حقق معادلة اختراق الحياة نحو تحقيق الامل‚ والحلم واغلب الظن اننا نولد بنجاحاتنا او فشلنا‚ لتكون حياتنا‚ ما بعد خروجنا الى العالم‚ مجرد تلمس لطريق سرنا فيه ذات يوم لكننا قد لا نتذكر‚ الذي يتذكر هو الذي ينجح ويصل نهاية المتاهة بسلام‚


قد يذكرك ذلك بلعبة «أين الطريق؟»‚ في اللعبة تكون البداية واضحة‚ وتكون النهاية كذلك‚ لكن التحدي يكمن في اكتشاف طريقة الوصول من البداية الى النهاية‚ من المنبع الى المصب‚

مثلما يدرك النهر طريقه جيدا‚ يستطيع بعض الافراد ادراك الطريق‚ لتكون لعبة «أين الطــــريق؟» بالنـــــــــسبة لهــــــم مجـــــرد (لعبة) لا اكثر‚

لكن ماذا يعني ان نلعب؟

لا يعني ان نلعب‚ ان نتجرد عن خواص الجدية‚ والالتزام‚ لنصنع التفوق‚ بل يعني وبدرجة مثالية ان نكتشف قواعد اللعب التي تمكن من الاتقان والوصول الى الهدف المرئي‚

كان غابرييل غارسيا ماركيز‚ كما حكي في كتابه الاخير عن سيرة حياته «ان تعيش لتحكي»‚ يدرك هدفه منذ البداية‚ ان مشروع بل هم حياته ان يحكي عن مصائر الانسان وعذاباته في عالم لا يرتهن لسؤال الذات‚ او يتجمد مع انفعالاتنا الطارئة او المؤسسة‚ ترك ماركيز كلية الحقوق في العام الاول‚ قبل ان يكمله‚ ليقرر علاقته مع العالم‚ التي ستقوم على الحكاية‚ وقد شكلت امه‚ كما شكل ابوه‚ في جدوى ما اقدم عليه‚ لكن ماركيز واصل قراره «اريد ان اكون كاتبا»‚

بالطبع كان لرفض الاسرة مبررات منطقية‚ فالكتابة لن تصنع لك قيمة في العالم الثالث‚ خاصة اذا ما كانت القيمة مرتهنة بالثروة‚ رفض ماركيز القاعدة‚ مؤمنا بان الطريق الى رضا الذات وغناها يكمن وراء علاقة صادقة للانسان مع العالم من حوله‚ تسرد مشاهد الكتاب عن ذكريات تمزج بين الالم‚ والتفاؤل احيانا‚ وكثير من نوادر الحياة‚ لا سيما تلك النوادر المترتبة عن المأساة‚ التي تضحك المرء دما‚ عندما يتحول الضحك الى معادل للحزن والحيرة والخوف من اشكال البقاء‚ في ظل وجود معبأ بالقهر والانهيار الذاتي‚ بما يعشعش في النفوس من مساحات النكد والمجهود المغلف بالانكسار‚

لكن حكمة الكتابة‚ تتدثر وراء تلك الومضات الخاطفة التي بامكانها ان تسرق النفس نحو عوالم مجهولة الازمنة‚ يحس الانسان كأنه عاشها او سيعبر بها ذات يوم‚

ونكتشف من خلال ما كتبه ماركيز وبلغة روائية‚ سردية هائلة‚ اسرار العديد من اعماله‚ التي لم يجد ماركيز بدا من روايتها‚ لانها لم تعد سرا‚ بعد ان غاب الذين تتعلق بهم المصائر المتداخلة بين الحلم واليقظة الحياة الموت من ابطال وشخوص مهمشين حتى الاشياء مثل (الثلج) كان لها تاريخها في ذات الكاتب‚ فالذين قرأوا (مائة عام من العزلة) سيسترجعون صورها وملامح شخوصها‚ من خلال ما سطره ماركيز في «ان تعيش لتحكي»‚

يكشف ماركيز ان الكتابة ليست مجرد لعبة سهلة‚ لكنها طريق محفوف بالقسوة والقهر‚ يحتاج الى ارادة كامنة‚ يمكنها ان تفتت حجر الرعب في الذات‚ حتى تمطر هذه الذات الوجود بمفردات جديدة‚ لها القدرة على التعايش مع الذوات الاخرى‚ والتقاطع مع الهموم الكبيرة للكائن البشري‚

في سيرة محشودة بالتفاصيل الكابوسية‚ حتى انك لتخال روحك داخل حلم كبير في نص تكتبه انت اسمه العالم‚ لا ترجع الاشياء الى مصباتها‚ تصب في منابعها‚ بل تنحدر كسيل لا يعرف التوقف في عالم يكتنز بالمتاهات

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فصول من رواية "دماء في الخرطوم" الصادرة عن دار الفارابي

واحد   داخل المكتب المؤثث على طريقة عصرية، بديكور داخلي راقٍ، رنّ الهاتف النقال على الطاولة الخشبية لأكثر من مرة قبل أن يضغط عبد الحفيظ على الزِر ليردّ على المتحدث من الطرف الآخر.. لقد جرت العادة ألا يستقبل أي مكالمة من رقم مجهول بالنسبة له، لكن إصرار المتصل على تكرار المحاولة للدرجة التي استفزّت المجموعة الجالسة حول طاولة الاجتماع، جعلت عبد الحفيظ يردُّ أخيراً: - عفواً.. من يتحدث معي؟ قالها هكذا، دون أن يردَّ تحية المتصل. - معك اللواء طه عبد الرحمن مدير عام الشرطة. قبل أن يكمل، كان عبد الحفيظ قد نهض من على الكرسي الدوّار، وبحركة لا شعورية جرّ الكارفته تدريجياً إلى أسفل، قائلاً: - نعم سيدي.. تفضل، ما الأمر؟ ليس من عادة عبد الحفيظ أن يطيل المكالمات، لقد تعلم هذه العادة من سنوات عمله بالولايات المتحدة أثناء تدرّبه في إحدى الشركات هناك، بعد أن أكمل دراسته في الهندسة المدنية، قبل أن يعود إلى الخرطوم قبل شهر من الآن، لينشِئ شركة للمقاولات بإمكانيات مادية كبيرة. بدا له أن الضابط مرتبك وغير قادر على الإفصاح، ولثوانٍ ظلّ صامتاً، فيما كانت المجموعة الأجنبية الجالسة ح...

هل نضب الخيال؟

إشكاليات الذائقة الفنية والتلقي الجمالي عند العرب عماد البليك: منذ أن قدم الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي أطروحته الجمالية حول "الخيال الشعري عند العرب" وخلص إلى أن الأدب العربي لا ينظر إلى المستقبل ولا ينفذ إلى صميم الأشياء وأنه "كلمة ساذجة" فإن الموقف لا يغادر موقعه، فالإشكاليات لاتزال قائمة إلى اليوم، والبحث عن تحرير الخيال لا يزال معطلا، كما أن الذائقة الفنية والجمالية تقاوم معوقات متجذرة يبدو الفكاك منها صعبا رغم الانفتاح الذي أتاحته الوسائط الحديثة للتلقي والمعرفة.  وإذا كانت مائة سنة تكاد تفصلنا، عن أطروحة الشابي، أي ما يقارب القرن، فالسؤال القائم ما السبب الذي عطّل مشروع الإنتاج والتلقي الجمالي عند العرب، ولماذا هم إلى اليوم يتعاملون مع العالم على أنه أقرب إلى المسطحات والثنائيات منه إلى شيء عميق له أبعاد متعددة وأوجه متنوعة، وهذا ينطبق على الممارسة الفنية كما ينجر بدرجة أوضح على استقبال الرسائل الجمالية أو الفنية، سواء أنتجت في محيط عربي أو عالمي. كانت فكرة أبوالقاسم الشابي تقوم على الخلاصة التالية: "قد انتهي بي البحث في الأدب...

حوار عماد البليك في مجموعة "يلا نقرأ سودان"

رتب للحوار وأعده وأجراه بشكل رئيسي جعفر عبد الله جعفر جعفر عبدو: الاسم بالكامل، تاريخ الميلاد، المراحل التعليمية، الإقامة الحالية، الحالة الاجتماعية . عماد البليك: شكرا الاخ جعفر على الدعوة لهذا الحوار، اسمي عماد الدين عبد الله محمد، البليك هو لقب جدي محمد، درست مراحلي الاولى في بربر بنهر النيل والجامعة بالخرطوم، كلية الهندسية معمار، اقيم حاليا في مسقط بسلطنة عمان، متزوج واب لطفلين مهيد 5 ومهيار 9 زوجتي ام سلمة عبد المنعم ابوسبعة. جعفر: لماذا اخترت الكتابة والعمل الصحفي رغم دراسة الهندسة؟ عماد البليك: خيار مبكر، رغم انني كنت احب الفنون والرسم وامتحنت مادتها في الثانوية، لم اكره المعمار وما زلت احبه لكن في اطاره النظري، بالنسبة لي نما حب الكتابة وتعلقي بالصحافة معضدا بسنوات الجامعة، حيث كان يومي ينقسم بين المدرج ومكتب الصحيفة، وهكذا وجدت انني صحفي.. ان هذا ما يمكن لي ان انجح فيه. فالحياة لا تحتمل مسارات متعددة. وقد كان للكتابة ان تأخذني وتتكامل مع الصحافة واستفدت من ذلك كثيرا في تجربتي الابداعية. جعفر: ما هي اول رواية قمت بكتابتها؟ عماد البليك: رواية اسمها الحصاد و...