عالجت قصيدة "
غناء العزلة ضد العزلة " للصادق الرضي والتي غناها الفنان الراحل مصطفى سيد
أحمد إشكالية الانكسار والعزلة لدى جيل التسعينات، مكونة بعدا جديدا في
النص الشعري السوداني، بردها الاعتبار للذات، في إطار مفاهيم ما بعد
الحداثة التي أثرت أن تجعل للذات إطلاقها القادر على تشكيل العالم وفق رؤى
جديدة تؤمن بالمستقبل، على طريقة مختلفة تباين ما درجت عليه المدارس
الواقعية لما قبل الانعتاق الحداثي في الشعر السوداني.
لم تكن غناء العزلة مجرد قصيدة فحسب بل لوحة تشكيلية استعان الصادق الرضى على رسمها بأبعاد وقيم جديدة في بناء النص الشعري الجديد، اعتمدت هذه القيم بشكل مباشر على هواجس جيل العزلة، وهو جيل مثابر على الوجع والانكسار، يحاول الخروج بحثا عن ذاته وهويته، بعيدا عن طريقة البحث المركبة على الوعي المكاني كما في أسلوب " الغابة والصحراء" عند محمد عبد الحي والنور عثمان أبكر ومحمد المكي إبراهيم.
لكن المحاولة لم تأتي منفصلة عن التراكم الحادث في المستويات الشعرية للقصيدة السودانية بعكس ما ذهب بعض النقاد الذين حاولوا أن يفصلوا تجربة " شعرية العزلة" عن مجمل الإرث الشعري الحديث، باعتبارها متشكل جديد، يقوم على مفردات مختلفة، وبناء تركيبي يباين السائد.
لم تأتي " شعرية العزلة " عند الصادق الرضي أو عاطف خيري كبعد جديد في الثقافة السودانية يقوم على العزلة عن الماضي كما كرسته ظاهرية النصوص التي حاولت أن تبسط المفهوم، لقد قامت هذه الشعرية الجديدة على الماضي بشكل مستحدث حاول قراءة العديد من مركبات الواقع الجديد، بشكل يباين السائد والمألوف، وبذلت محاولات في سبيل البحث عن قضايا شعرية جديدة من خلال المعاش مستفيدة من تجربة الشعرية العرفانية التي أسس لها شعراء مثل عالم عباس ومحمد عبد الحي.
كانت العرفانية مذهبا شعريا لم يدرس على الوجه الكافي ولم يرد الاعتبار له بشكل علمي إلى اليوم، لسبب بسيط يتعلق بالقراءات النقدية التي عالجت هذه الشعرية دون أن تمسها بهذا البعد العرفاني الخالص، كما عملت المسميات المدرسية المباشرة المعتمدة على الفضاءات المكانية والجغرافيا على خلق نوع من اللبث لدى جمهور النقاد فوقعوا في مصيدة الجدل بعيدا عن القراءة المستندة على الإطار العرفاني للنص.
ويعتقد الدكتور قيصر موسى الزين وهو أستاذ جامعي سوداني مقيم بالخرطوم أن البناء الشعري الجديد، هو موضة سرعان ما سيتخلص منها الجيل الجديد، ليعود إلى صوابه، لكن الزين يحمل رؤية أكثر استشراقا وعمقا بخصوص البعد العرفاني غير المرئي في الشعرية السودانية ويفسر تجربة عالم عباس على هذا الأساس الذي يرد الإعتبار لفاعلية الرموز الدينية في النص السوداني شعرا كان أم قصة أو رواية، ويستدل على مفاهيمه بنموذج " وادي آزوم " لعالم عباس، حيث يعتقد الشاعر من خلال النص المتخيل الذي أعاد فيه خلق وادي أزوم أن الحياة بدأت من هناك ومن هنا استمد الوادي عبقريته وصار علامة بارزة، وبقدر ما تكون هذه الرؤى مؤسطرة وغير فاعلة بالمنظور التاريخي الواقعي، إلا أن لها بعدا على مستويات بناء نوع جديد من الأسطورة التي تحاول بشكل ما أن تعيد تشكيل الواقع الجديد بالاستناد إلى الشعرية العرفانية.
أكاد أجزم بأن " شعرية العزلة " ولدت كتطور منطقي للشعر العرفاني السوداني، وبالتالي استمرت التجارب تدعم بعضها البعض قديما وحديثا، على نحو يؤسس لمقولة أن الماضي لا ينفصل بأية حال عن الحاضر أو المستقبل، أو أن الماضي والمستقبل وجهان لعملة واحدة تفصل بينهما مرآة، كما في نظرية " الجد والحفيد" في رواية بندر شاه للطيب صالح.
استفادت الشعرية الجديدة وبالتحديد شعرية العزلة من قاموس الشعر العرفاني، وولدت منه أنماط جديدة لم تكن في حسبان الجيل القديم، وظلت الشعرية الجديدة تحاكي تجارب الماضي بشكل جديد، لكن رغم ذلك وجهت لها الاتهامات والنقد اللاذع من قبل نقاد المدرسة التقليدية دون أن يتفكروا قليلا في مستويات النص الجديد بنحو ما يجعل احتمالات التصالح ممكنة بين التجارب.
ويكمن القول أن الراحل محمد عبد الحي كان يمتلك وعيا مبكرا بقضية التصالح والامتداد الذي لابد منه لدفع العجلة الثقافية ، لكنه رحل قبل أن يؤسس لمشروعه النقدي المتكامل في هذا الإطار، وكانت بوادر هذا المشروع الرائد في دراساته العميقة المنشورة عن أشعار التيجاني يوسف بشير التي قالت بشكل مباشر على حد ما فهمتها أن العرفانية وبعد العزلة هي جذور شجرة الشعر السوداني، فالتيجاني غني وحيدا للعزلة قبل أن يغني لها الصادق الرضي في التسعينات من القرن العشرين، ما يفصل بينهما زمنيا أكثر من ستين عاما، لكن وحدة الشعور الداخلي للنصوص تجعل من الممكن القول أن التعايش حادث فعليا ما بين النصوص القديمة والجديدة، وأن منظور العزلة – غير المفكر فيه – يمكن قراءته وبشكل وافي من خلال محاولات جادة.
لقد حاول الراحل الهادي الصديق أن يؤسس لأصول الشعر السوداني، بيد أن محاولته جاءت غير عميقة استبعدت بشكل غير واعي أصولا هامة وإستراتيجية في بناء النص الشعري، من زمن الفونج والسلطنة الزرقاء إلى زمن العزلة الجديد، وحاول محمد المكي إبراهيم كذلك في بحثه حول مشكلات الثقافة السودانية، لكن كلا الدراستين لصديق والمكي لم يعرفا كيف يفكرا بشكل عميق في قراءة التاريخ الثقافي ومركباته المتشعبة التي هي اكبر من كونها مجرد تمازج" أفرو – عربي " أو " غابة وصحراء"، أو تاريخ خطي يبدأ بالفونج مرورا بالتركية القديمة والجديدة إلى السلطة المهدوية فالعهد الثنائي " أنجليمصري ".
لم تكن غناء العزلة مجرد قصيدة فحسب بل لوحة تشكيلية استعان الصادق الرضى على رسمها بأبعاد وقيم جديدة في بناء النص الشعري الجديد، اعتمدت هذه القيم بشكل مباشر على هواجس جيل العزلة، وهو جيل مثابر على الوجع والانكسار، يحاول الخروج بحثا عن ذاته وهويته، بعيدا عن طريقة البحث المركبة على الوعي المكاني كما في أسلوب " الغابة والصحراء" عند محمد عبد الحي والنور عثمان أبكر ومحمد المكي إبراهيم.
لكن المحاولة لم تأتي منفصلة عن التراكم الحادث في المستويات الشعرية للقصيدة السودانية بعكس ما ذهب بعض النقاد الذين حاولوا أن يفصلوا تجربة " شعرية العزلة" عن مجمل الإرث الشعري الحديث، باعتبارها متشكل جديد، يقوم على مفردات مختلفة، وبناء تركيبي يباين السائد.
لم تأتي " شعرية العزلة " عند الصادق الرضي أو عاطف خيري كبعد جديد في الثقافة السودانية يقوم على العزلة عن الماضي كما كرسته ظاهرية النصوص التي حاولت أن تبسط المفهوم، لقد قامت هذه الشعرية الجديدة على الماضي بشكل مستحدث حاول قراءة العديد من مركبات الواقع الجديد، بشكل يباين السائد والمألوف، وبذلت محاولات في سبيل البحث عن قضايا شعرية جديدة من خلال المعاش مستفيدة من تجربة الشعرية العرفانية التي أسس لها شعراء مثل عالم عباس ومحمد عبد الحي.
كانت العرفانية مذهبا شعريا لم يدرس على الوجه الكافي ولم يرد الاعتبار له بشكل علمي إلى اليوم، لسبب بسيط يتعلق بالقراءات النقدية التي عالجت هذه الشعرية دون أن تمسها بهذا البعد العرفاني الخالص، كما عملت المسميات المدرسية المباشرة المعتمدة على الفضاءات المكانية والجغرافيا على خلق نوع من اللبث لدى جمهور النقاد فوقعوا في مصيدة الجدل بعيدا عن القراءة المستندة على الإطار العرفاني للنص.
ويعتقد الدكتور قيصر موسى الزين وهو أستاذ جامعي سوداني مقيم بالخرطوم أن البناء الشعري الجديد، هو موضة سرعان ما سيتخلص منها الجيل الجديد، ليعود إلى صوابه، لكن الزين يحمل رؤية أكثر استشراقا وعمقا بخصوص البعد العرفاني غير المرئي في الشعرية السودانية ويفسر تجربة عالم عباس على هذا الأساس الذي يرد الإعتبار لفاعلية الرموز الدينية في النص السوداني شعرا كان أم قصة أو رواية، ويستدل على مفاهيمه بنموذج " وادي آزوم " لعالم عباس، حيث يعتقد الشاعر من خلال النص المتخيل الذي أعاد فيه خلق وادي أزوم أن الحياة بدأت من هناك ومن هنا استمد الوادي عبقريته وصار علامة بارزة، وبقدر ما تكون هذه الرؤى مؤسطرة وغير فاعلة بالمنظور التاريخي الواقعي، إلا أن لها بعدا على مستويات بناء نوع جديد من الأسطورة التي تحاول بشكل ما أن تعيد تشكيل الواقع الجديد بالاستناد إلى الشعرية العرفانية.
أكاد أجزم بأن " شعرية العزلة " ولدت كتطور منطقي للشعر العرفاني السوداني، وبالتالي استمرت التجارب تدعم بعضها البعض قديما وحديثا، على نحو يؤسس لمقولة أن الماضي لا ينفصل بأية حال عن الحاضر أو المستقبل، أو أن الماضي والمستقبل وجهان لعملة واحدة تفصل بينهما مرآة، كما في نظرية " الجد والحفيد" في رواية بندر شاه للطيب صالح.
استفادت الشعرية الجديدة وبالتحديد شعرية العزلة من قاموس الشعر العرفاني، وولدت منه أنماط جديدة لم تكن في حسبان الجيل القديم، وظلت الشعرية الجديدة تحاكي تجارب الماضي بشكل جديد، لكن رغم ذلك وجهت لها الاتهامات والنقد اللاذع من قبل نقاد المدرسة التقليدية دون أن يتفكروا قليلا في مستويات النص الجديد بنحو ما يجعل احتمالات التصالح ممكنة بين التجارب.
ويكمن القول أن الراحل محمد عبد الحي كان يمتلك وعيا مبكرا بقضية التصالح والامتداد الذي لابد منه لدفع العجلة الثقافية ، لكنه رحل قبل أن يؤسس لمشروعه النقدي المتكامل في هذا الإطار، وكانت بوادر هذا المشروع الرائد في دراساته العميقة المنشورة عن أشعار التيجاني يوسف بشير التي قالت بشكل مباشر على حد ما فهمتها أن العرفانية وبعد العزلة هي جذور شجرة الشعر السوداني، فالتيجاني غني وحيدا للعزلة قبل أن يغني لها الصادق الرضي في التسعينات من القرن العشرين، ما يفصل بينهما زمنيا أكثر من ستين عاما، لكن وحدة الشعور الداخلي للنصوص تجعل من الممكن القول أن التعايش حادث فعليا ما بين النصوص القديمة والجديدة، وأن منظور العزلة – غير المفكر فيه – يمكن قراءته وبشكل وافي من خلال محاولات جادة.
لقد حاول الراحل الهادي الصديق أن يؤسس لأصول الشعر السوداني، بيد أن محاولته جاءت غير عميقة استبعدت بشكل غير واعي أصولا هامة وإستراتيجية في بناء النص الشعري، من زمن الفونج والسلطنة الزرقاء إلى زمن العزلة الجديد، وحاول محمد المكي إبراهيم كذلك في بحثه حول مشكلات الثقافة السودانية، لكن كلا الدراستين لصديق والمكي لم يعرفا كيف يفكرا بشكل عميق في قراءة التاريخ الثقافي ومركباته المتشعبة التي هي اكبر من كونها مجرد تمازج" أفرو – عربي " أو " غابة وصحراء"، أو تاريخ خطي يبدأ بالفونج مرورا بالتركية القديمة والجديدة إلى السلطة المهدوية فالعهد الثنائي " أنجليمصري ".
تعليقات