التخطي إلى المحتوى الرئيسي

وزارة الفلسفة !

لا أدري من الذي قالها بالضبط!!.. أن وزارة للفلسفة مطلوبة في دولة ما من دول العالم. رغم أن هذه الدعوة قد تبدو غير واقعية أو منطقية. ولا يتعلق السبب بكون الفلسفة لا تعترف بالمنطق أو أن الواقع لا يخضع للقيم الفلسفية، بل لأن النظر إلى الفلسفة ظل شأنا خاصا لا يتعلق بالعامة.
أكتب ذلك واستحضر الرواية الرائعة للكاتب السويدي جوستاين غاردر والتي تحمل عنوان "عالم صوفي".. وليس للأمر علاقة بالصوفية ولا التصوف، فصوفي هي فتاة بالأحرى طفلة يقوم معلم أو عرّاب مجهول بتدريبها على أن تفهم العالم بدرجة أفضل من خلال الفلسفة. والرواية بحجمها الكبير تتدرج في شرح الفلسفة في شكل رسائل يبعهثا هذا المعلم إلى الطفلة.
إن الفلسفة لا تقدم حلولا في أكثر الأحيان، وهي تقترح أسئلة أكثر من كونها تقدم إجابات. وهذا هو مضمونها بالتقريب. ومهمتها الأساسية أنها تشرح الواقع وتعيد تركيبه بحيث يسهل فهمه.
وبمعنى بسيط فكل إنسان هو فيلسوف على طريقته الخاصة، ما دام يمتلك القدرة على رؤية الأشياء وتحليلها والوصول إلى نتائج بغض النظر عن قوة معرفته أو درجة موضوعية ومنطق ما يذهب إليه من إفادات.
لكن الفلسفة كعلم تمكن الإنسان من امتلاك الأدوات التي يفكر بها في الأشياء بطريقة أفضل، ولكي نقرب الصورة فإن الإنسان إذا لم يتعلم قيادة السيارة فلن يقودها أبدا. فهناك أصول وخبرات. والأمر بالنسبة للتفكير السديد والوصول إلى حلول ونتائج جيدة بخصوص المشكلات والتدريب على فك العقد والتشابك بخصوصها، فذلك لا يتحقق بطريقة صحيحة لشخص يعتمد العشوائية في ابتكار الحلول أو الإجابات.
لكن إذا كان الفيلسوف مهمته الأساسية هي الأسئلة لا الإجابات، فسيكون السؤال كيف ستخدم الفلسفة ما سبق ذكره، في الوصول إلى الحلول الأفضل. وبإختصار فإن الإنسان ساعة يتعلم كيف يخترع الأسئلة فهو يفكر بشكل جيد ويرى المسألة بأكثر من وجه وأكثر من صورة وهذا ما يهيئ الوصول إلى الحلول الأمثل ساعة نقلب الأمر بطرق عديدة ونكون قادرين على رؤية المساحات غير المرئية من الوهلة الأولى.
إن الفلسفة بشكل عام تدخل في كل مسارات الحياة تقريبا.. فهي أشبه بالاقتصاد.. وتخصيص وزارة للفلسفة ما هي إلا مجرد مزحة. والبعض يتحسس من هذه الكلمة أصلا.. ويرى أنها تجر المتاعب ساعة يحاول أن يفهم أن الفلسفة هي ضد الإيمان والدين.. وهذا ليس صحيح.. فالفلسفة تظل علما شأنها شأن كل العلوم الإنسانية التي تساهم في صناعة الحياة ونزوحها نحو المستقبل بشكل أفضل إدراكا وتهيئة للظروف التي تجعل الكائن البشري يعيش واقعه وهو أكبر قدرة على التبصر والرؤية واطلاق الأحكام السديدة على الأمور.
وفي المفهوم العام يسخر الكثيرون من الفلسفة .. ويقال فلان "يتفلفس" ويعني أنه يقول كلاما غير مفيد ولا معنى له.. أو أنه يدعي معرفة فائقة على الآخرين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

راما رواية البليك تغوص في أسرار الخلود وتتجاوز قواعد السرد

  في طفولتها البعيدة وهي تلعب بين مزارع الفول والفاصوليا وتسبح أحياناً مع البنات في النهر ساعة الفيضان، لم تكن خالدة تتخيل شكل مستقبلها، توفى معظم من تعرفهم ويعرفونها، كانت تحب فصل الشتاء لأنه يسمح لها بالاختباء تحت غطاء اللحاف، لتحلم، كانت طفولتها وشبابها مليئة بالفوضى فهي بنت الجزار الذي في لمحة بصر ومحض الصدفة تحول ضمن الحرس لشخصي لوزير مهم، هي بنت المرأة الطيبة القادمة من رحم الرق والبؤس، جد كان شحاذاً وتفاصيل مربكة استمرت إلى أن وجدت راجا الهندي الطيب تاجر المجوهرات، تكتمل الفرحة بميلاد الطفلة راما، الاسم المقتبس من الخلود بقداسته وأسراره. حياتها الجديدة لم تنسها ماضيها حكايات الخالة الصحفية المناضلة عوضية، والعم الذي مات بمرض لم يمهله كثيراً وسفيان، الأخ المولع بالفن والغناء، كثيراً ما يسير الماضي كشريط سينمائي بمونتاج محكم متداخل الأزمنة. كثيراً ما كانت تشعر بوخزة في صدرها وأن هنالك ما هو مؤلم في مقتبل الأيام، يموت الأب في حادثة مفجعة وهي طالبة جامعية، بكته رغم أنه لم يعد ذلك الأب الطيب الذي كسر الأعراف والتقاليد وانتصر للحب منذ أصبح من الحاشية ومرافقاً للوزير في كل أسفاره. تش

المناورة والطريق الأفضل.. إلى حمدوك مرة أخرى

لقد أهتم العلماء في فترة التنوير الأوروبي بالطبيعة، والأحياء، كيف تشكلت في الماضي. في سبيل السيطرة على المستقبل، لأن أدراك نسق التشكيل في التاريخ، يقود إلى التحكم في القادم.   قبل أن يأتي داروين الذي كسب شهرة كبيرة بنظرية التطور، جرب آخرون أغفلهم التاريخ هذا النمط من التفكير، ومنهم جان باتيست لامارك، الذي يعتبر أول من استخدم مصطلح البيولوجيا بالمعنى الحديث. وكان تقريبا أول من صاغ نظرية شبه متكاملة في التطور الإحيائي. استهل بذكر لاما رك، للاستشهاد بمقولته: "هل نتحرك أفضل حين تتقطع بنا السبل ولا نجد مخرجا.. عندما يتغير كل شيء؟" الفكرة تقوم على أن الكائنات في محيطها الطبيعي، دائما ما تلجأ إلى الحل في ساعات الاستعصاء القصوى، عندما يتبدل كل شيء تماما. تصل ما يمكن الاصطلاح عليه بلحظة "التلاشي". هنا تناور بطريقة جديدة. تستخدم كافة السبل الممكنة التي لم تخطر من قبل، وتستطيع أن تحدث انقلابا في الطبيعة نفسها لصالحها. هذا الأمر ينطبق ليس على الحيوانات والأحياء في فطرتها. بل على المجتمعات، ففن المناورة في "المساحات الصغيرة" أو "الفرص المعتمة" يقود إل

عن رواية الامام الغجري للكاتب عماد البليك، بقلم: فخر الدين حسب الله

في روايته "الإمام الغجري" التى يمكن وصفها بالرواية الواقعية، حيث تتحرك في جغرافيا وتاريخ محددين (السودان، 1821_الى الان)، يسرد البليك في متعة متناهيه تفاصيل الكثير من الأحداث التاريخية في السودان الحديث في رحلة البحث عن سر الغموض الذي يلف غياب أحد الرموز الدينية، الطائفية، السياسية.. واسمه الإمام سفيان النصري (الغجري). تبدأ أحداث الرواية عن صحفي سودانى، يحاول أن يكشف القناع والأسرار حول غياب الامام الغجري قبل عدة عقود، ليجد نفسه أم ام ملف شائك، شديد التعقيد . الصحفي بعد أن أمسك ببعض الخيوط وقبل أن تكتمل، اغتيل قبل أن ينشر ما لديه، اصابع الاتهام تتجه الى السلطة الحاكمة، فالنظام يقبض علي حرية النشر، ويضيق على الحريات، ويمنع الحديث حول غياب الإمام. وللنظام سوابق في الاغتيالات والتعذيب، فقد اغتيل صحفيون من قبل. يلجأ آخرون ينتمون إلى مؤسسات الدولة الحديثه الي عملية تحضير الأرواح لمعرفة ماذا كان يريد أن يقول الصحفي.. تسير الرواية بأقوال روح الصحفي.. لتحكى الروح حقيقة ما جري مضافا إليها خواطره وآرائه . تكشف الرواية عن الحبل السري بين السياسي ورجل الدين وانع