" دان براون"
كاتب غريب المزاج، فقد قرأت له في إحدى الحوارات، أنه يستريح أثناء
الكتابة، بالوقوف بالمقلوب (وضع الرأس إلى أسفل)، ويصف هذا الوضع بأنه جيد
جدا لرؤية الاشياء بزاوية مختلفة، كما أنه يساعده على بناء الحبكة الدرامية
في السرد الروائي لأعماله.
لا يتعلق النظر إلى الاشياء، عند دان بروان، بالوقوف بالمقلوب جسديا ومحاولة فهم العالم بناء على هذا الوضع، بل أيضا، بالوقوف بالمقلوب في إعمال العقل تجاه قراءة العديد من الأفكار الإنسانية المتعلقة بالتاريخ وما يتضمنه دفاتره من قيء وحقائق ملوثة بالأكاذيب.
ومثل الكاتب الإيطالي إمبرتو إيكو كما في روايته المشهورة " اسم الوردة " يعمل دان براون على حبكة رواياته بطريقة تجمع بين العمل البوليسي والعمل التاريخي الناقد، الذي يغور بعيدا في إعادة قراءة المقدسات وهدم المخيال الجماعي والأسطوري تجاه المقدس.
ويرى عدد من النقاد أن دان بروان الذي اشتهر بعد كتابة روايته المثيرة للجدل " شفرة دانفنشي"، يمتع بقدر ما يزعزع ذهن القارئ، وبعد الفراغ من قراءة أي عمل لهذا الكاتب، وغالبا ما تتم عملية القراءة مرة واحدة، بفعل عامل الإمتاع والجذب والحبكة البوليسية الصارمة، يجد القارئ (نفسه) أمام صورة لعالم جديد غير الذي ألفه وعاشه، وكأنما لم يكن موجودا في العالم من قبل.
يحكي دان براون عن تجربته في الكتابة، بقوله: بدأت الكتابة عندما قرأت إحدى الروايات التي إشار الناس لأهميتها، فأكتشفت أنني سأكتب أفضل منها.
لا أدري ما هي الرواية التي يتحدث عنها براون، ولكن على أقل تقدير فقد نجح براون في أن يقدم عملا مثيرا للجدل والنزهة والاختلاف والدهشة، وغيرها من المفردات التي يمكن أن توصّف حالة الاستغراب والإحساس بالجديد.
" شفرة دافنشي" ليست مجرد عمل إبداعي روائي، فني، يقرأ بهدف المتعة، ولا أظن أن كاتبها فكر في هذا الشيء بالدرجة الأولى، بأن يكتب رواية تمتع القارئ، بقدر ما فكّر في إثارة أسئلة ملحة تتعلق بتاريخ المسيحية وتدوين الأناجيل، وكيف تداخلت العديد من الطقوس الوثنية القديمة في بناء العقيدة المسيحية.
والملفت للنظر في هذه التجربة، الدقة التي يتمتع بها براون في النظر إلى الأشياء، بناء على طريقته المبتكرة في النظر بالمقلوب للعالم، فهو قادر على مفاجأة القارئ بهدم قيم وأفكار تصب في صلب المسيحية بناء على أسلوب منطقي يشبه طريقة الباحث العلمي المدقق.
فبراون لا يكتب رواية بالمعني الحرفي للرواية، بقدر ما يتخذ الرواية كجسر نحو القول والبحث المضن في قضايا شائكة ومعقدة، قد يكون البوح فيها بالشكل المباشر، على شكل كتاب فكري أو علمي أو بحث تاريخي ناقد، غير مجدي.
إذن تتحول الرواية عند براون إلى بحث مقلق، وعمل كبير يحتاج إلى المرجعيات والمصادر، بيد أن المحصلة ليست هي التاريخ فقط، بل هي النزوح إلى صلب القضايا الراهنة والأزمات التي يمر بها الإنسان العصري، حيث أن الأزمة الراهنة ليست إلا غصنا يكاد يسقط من شجرة غرست جذورها في الماضي.
وقد يدور سؤال مبدئي عن علاقة دافنشي (1452 ـ 1519) الذي يعتبر ولا يزال واحد من العبقريات الإبداعية ومعلم من معلمي عصر النهضة، بموضوع الرواية، هنا سنقف أمام نقطة هامة تتعلق بالتداخل بين الفن والدين، هذا الإشكال المُلبس والمعقد، والذي يناقشه بروان بطريقة سلسلة ومذهلة، تكاد تشق الدماغ إلى نصفين.
هناك مقولة منسوبة لدافنشي، يستعين بها بروان في الرواية، وهي ( كثيرون إتخذوا من الأوهام والمعجزات الكاذبة تجارتهم، مضللين البسطاء من العوام))، وهناك مقولة أخرى (الجهل الأعمى يضللنا.. أيها البؤساء الفانون، إفتحوا أعينكم!)).
مثل هذه المقولات لا تأتي اعتباطا ولا هرطقة ( الهرطقة تعني "الاختيار" في أصلها اللاتيني)، بل تصب في عمق نهر العمل الذي يحفز الذهن الإنساني نحو المزيد من السؤال والقلق، أن تفكر في العالم بشكل جديد، وأن تقرأ الحياة بناء على نظرة تقوم باستبعاد المألوف والعادي والمكرر، إنه الجنون والعبقرية والتحدي، المغامرة التي لا يصمد في طريقها إلا قلة من الناس.
ولي عودة مع هذا العمل الكبير والهام..
لا يتعلق النظر إلى الاشياء، عند دان بروان، بالوقوف بالمقلوب جسديا ومحاولة فهم العالم بناء على هذا الوضع، بل أيضا، بالوقوف بالمقلوب في إعمال العقل تجاه قراءة العديد من الأفكار الإنسانية المتعلقة بالتاريخ وما يتضمنه دفاتره من قيء وحقائق ملوثة بالأكاذيب.
ومثل الكاتب الإيطالي إمبرتو إيكو كما في روايته المشهورة " اسم الوردة " يعمل دان براون على حبكة رواياته بطريقة تجمع بين العمل البوليسي والعمل التاريخي الناقد، الذي يغور بعيدا في إعادة قراءة المقدسات وهدم المخيال الجماعي والأسطوري تجاه المقدس.
ويرى عدد من النقاد أن دان بروان الذي اشتهر بعد كتابة روايته المثيرة للجدل " شفرة دانفنشي"، يمتع بقدر ما يزعزع ذهن القارئ، وبعد الفراغ من قراءة أي عمل لهذا الكاتب، وغالبا ما تتم عملية القراءة مرة واحدة، بفعل عامل الإمتاع والجذب والحبكة البوليسية الصارمة، يجد القارئ (نفسه) أمام صورة لعالم جديد غير الذي ألفه وعاشه، وكأنما لم يكن موجودا في العالم من قبل.
يحكي دان براون عن تجربته في الكتابة، بقوله: بدأت الكتابة عندما قرأت إحدى الروايات التي إشار الناس لأهميتها، فأكتشفت أنني سأكتب أفضل منها.
لا أدري ما هي الرواية التي يتحدث عنها براون، ولكن على أقل تقدير فقد نجح براون في أن يقدم عملا مثيرا للجدل والنزهة والاختلاف والدهشة، وغيرها من المفردات التي يمكن أن توصّف حالة الاستغراب والإحساس بالجديد.
" شفرة دافنشي" ليست مجرد عمل إبداعي روائي، فني، يقرأ بهدف المتعة، ولا أظن أن كاتبها فكر في هذا الشيء بالدرجة الأولى، بأن يكتب رواية تمتع القارئ، بقدر ما فكّر في إثارة أسئلة ملحة تتعلق بتاريخ المسيحية وتدوين الأناجيل، وكيف تداخلت العديد من الطقوس الوثنية القديمة في بناء العقيدة المسيحية.
والملفت للنظر في هذه التجربة، الدقة التي يتمتع بها براون في النظر إلى الأشياء، بناء على طريقته المبتكرة في النظر بالمقلوب للعالم، فهو قادر على مفاجأة القارئ بهدم قيم وأفكار تصب في صلب المسيحية بناء على أسلوب منطقي يشبه طريقة الباحث العلمي المدقق.
فبراون لا يكتب رواية بالمعني الحرفي للرواية، بقدر ما يتخذ الرواية كجسر نحو القول والبحث المضن في قضايا شائكة ومعقدة، قد يكون البوح فيها بالشكل المباشر، على شكل كتاب فكري أو علمي أو بحث تاريخي ناقد، غير مجدي.
إذن تتحول الرواية عند براون إلى بحث مقلق، وعمل كبير يحتاج إلى المرجعيات والمصادر، بيد أن المحصلة ليست هي التاريخ فقط، بل هي النزوح إلى صلب القضايا الراهنة والأزمات التي يمر بها الإنسان العصري، حيث أن الأزمة الراهنة ليست إلا غصنا يكاد يسقط من شجرة غرست جذورها في الماضي.
وقد يدور سؤال مبدئي عن علاقة دافنشي (1452 ـ 1519) الذي يعتبر ولا يزال واحد من العبقريات الإبداعية ومعلم من معلمي عصر النهضة، بموضوع الرواية، هنا سنقف أمام نقطة هامة تتعلق بالتداخل بين الفن والدين، هذا الإشكال المُلبس والمعقد، والذي يناقشه بروان بطريقة سلسلة ومذهلة، تكاد تشق الدماغ إلى نصفين.
هناك مقولة منسوبة لدافنشي، يستعين بها بروان في الرواية، وهي ( كثيرون إتخذوا من الأوهام والمعجزات الكاذبة تجارتهم، مضللين البسطاء من العوام))، وهناك مقولة أخرى (الجهل الأعمى يضللنا.. أيها البؤساء الفانون، إفتحوا أعينكم!)).
مثل هذه المقولات لا تأتي اعتباطا ولا هرطقة ( الهرطقة تعني "الاختيار" في أصلها اللاتيني)، بل تصب في عمق نهر العمل الذي يحفز الذهن الإنساني نحو المزيد من السؤال والقلق، أن تفكر في العالم بشكل جديد، وأن تقرأ الحياة بناء على نظرة تقوم باستبعاد المألوف والعادي والمكرر، إنه الجنون والعبقرية والتحدي، المغامرة التي لا يصمد في طريقها إلا قلة من الناس.
ولي عودة مع هذا العمل الكبير والهام..
تعليقات