التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كيف نتعلم التفاؤل ؟



إذا ضاقت عليك الحياة فأشغل القلب بالتفاؤل، وتخلص من الحزن والأسى، وثق أنك سوف تتجاوز الأزمات، فالتفاؤل دواء لداء الحياة المحاصرة بالضيق والانشطار.. وإذا كنت لا تؤمن بجدوى التفاؤل فلا تضع الحكم قبل أن تجرب، فالإنسان في كثير من الأحيان يتعامل مع أشياء كثيرة بنوع من الضيق والخوف، لكنه بمجرد أن يجرب هذه الأشياء ويتعامل معها يفهم أن لكل داء دواء وأن توقعات الحياة مفتوحة، وحده الجاهل الذي يغلق الأبواب ويظن ألا ملجأ من الحزن والفقر والعذاب.

علماء النفس يركزون على التفاؤل بوصفه دافعا حيويا للإنسان، يساعده في انجاز العمل ومواجهة التحديات والصعاب والسير قدما نحو تحقيق الأمنيات، وليس هذا من سبيل القول فحسب، بل أن التجارب العلمية تثبت هذا الشيء، وإذا لم تثق أيضا بما يقوله العلماء فأسال كبار السن الذين اختبروا الحياة أكثر منك وخاضوا وجالوا في معمعات الزمن، ستجد من خلال قولهم أن هناك ما يدعو للتفاؤل والانتصار على الروتين بالانشراح وفتح مساحات جديدة من الحياة لم تكن مرئية من قبل.
ولكي تجني نتائج التفاؤل لابد أن يكون لديك في المقام الأول الإيمان الكبير بالهدف الذي تعمل من أجله، فالإنسان إذا تجرد عن الإيمان بهدفه لم يستطع أن يقترب من تحقيقه، وسيظل يدور في حلقة من الفراغ العريض. ولابد أن يكون الهدف مقرونا بفائدة عامة قبل أن يكون خاصا، فخير الأهداف تلك التي تنطلق من العام إلى الخاص، وهذه قاعدة يعرفها الناجحون في الحياة، فمثلا نجد أن رجلا مثل بيل غيتس يقول أن سر نجاحه يعود إلى إيمانه بأن يقدم للناس ما يخدمهم، ولولا ذلك ما استطاع أن ينجح ويصبح أغنى رجل في التاريخ الإنساني.
ودائما نجد أن الناجحين في الحياة بشكل عام هم أناس متفاؤلون يعملون على تجاوز المحن والأزمات بالمزيد من الفرح والانشراح وإزاحة الغضب الذي يعتبر أكبر مدمر للذات الإنسانية، فالإنسان عندما يغضب يرى العالم أسودا ولا يستطيع أن يؤدي أي عمل بإتقان، فالإتقان في العمل مرتبط إلى حد بعيد بالسعادة، التي هي إحساس داخلي قبل أي شيء آخر، فالسعادة الحقيقية لا تكتسب من العالم الخارجي، بل من العالم الداخلي للذات الإنسانية، فالإنسان يظل هو محور سعادته وبؤسه، غضبه وحزنه وفرحه، وسائر المشاعر المختلفة التي يمكن ان تنتابه في كافة الظروف والأحوال والمصائر.
إذن المتفائل شخص ناجح وقوي وقادر على إدارة حياته في كافة جوانبها على نحو موفق، بعكس الإنسان المتشائم الذي نجده عاجزا عن صناعة الحياة الأفضل، حيث يستمر في شتم العالم من حوله والضيق النفسي ويرى أن علاته من علات العالم، وينسى دائما أن العلة الأساسية تسكنه وحده، لاغير، وأن أفضل طبيب بالنسبة له هو ذاته، التي باقترابها من الجمال والخير والمحبة والفرح، يكون قد كسب العالم وأصبح ملك الوجود دون منازع.
ثمة نماذج عديدة من حول الإنسان يمكنه أن يتعلم منها إذا أراد، حيث يظل الناس أهواء متابينة ومشاعر مختلفة، وعلى الإنسان أن يأخذ بالطيب ويرمي بالخبيث في مزبلة الوقت. وكلما تعلم ذلك الأمر واحترفه على نحو جيد، كان أقدر على رؤية العالم بصورة إيجابية وكان قادرا على التسامح مع الوجود، فتسامح الإنسان مع الأشياء من حوله يبدأ من تسامحه مع ذاته.
وأخيرا لا تخلو حياة أي إنسان من الأمور التي تكدر الذات وتقلقها، فالحياة خيط متشابك من الاختبارات والقلق المثير، والذكي من يجعل من هذا الخيط صديقا له، بدلا من أن يكون عدوه اللدود.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فصول من رواية "دماء في الخرطوم" الصادرة عن دار الفارابي

واحد   داخل المكتب المؤثث على طريقة عصرية، بديكور داخلي راقٍ، رنّ الهاتف النقال على الطاولة الخشبية لأكثر من مرة قبل أن يضغط عبد الحفيظ على الزِر ليردّ على المتحدث من الطرف الآخر.. لقد جرت العادة ألا يستقبل أي مكالمة من رقم مجهول بالنسبة له، لكن إصرار المتصل على تكرار المحاولة للدرجة التي استفزّت المجموعة الجالسة حول طاولة الاجتماع، جعلت عبد الحفيظ يردُّ أخيراً: - عفواً.. من يتحدث معي؟ قالها هكذا، دون أن يردَّ تحية المتصل. - معك اللواء طه عبد الرحمن مدير عام الشرطة. قبل أن يكمل، كان عبد الحفيظ قد نهض من على الكرسي الدوّار، وبحركة لا شعورية جرّ الكارفته تدريجياً إلى أسفل، قائلاً: - نعم سيدي.. تفضل، ما الأمر؟ ليس من عادة عبد الحفيظ أن يطيل المكالمات، لقد تعلم هذه العادة من سنوات عمله بالولايات المتحدة أثناء تدرّبه في إحدى الشركات هناك، بعد أن أكمل دراسته في الهندسة المدنية، قبل أن يعود إلى الخرطوم قبل شهر من الآن، لينشِئ شركة للمقاولات بإمكانيات مادية كبيرة. بدا له أن الضابط مرتبك وغير قادر على الإفصاح، ولثوانٍ ظلّ صامتاً، فيما كانت المجموعة الأجنبية الجالسة ح...

هل نضب الخيال؟

إشكاليات الذائقة الفنية والتلقي الجمالي عند العرب عماد البليك: منذ أن قدم الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي أطروحته الجمالية حول "الخيال الشعري عند العرب" وخلص إلى أن الأدب العربي لا ينظر إلى المستقبل ولا ينفذ إلى صميم الأشياء وأنه "كلمة ساذجة" فإن الموقف لا يغادر موقعه، فالإشكاليات لاتزال قائمة إلى اليوم، والبحث عن تحرير الخيال لا يزال معطلا، كما أن الذائقة الفنية والجمالية تقاوم معوقات متجذرة يبدو الفكاك منها صعبا رغم الانفتاح الذي أتاحته الوسائط الحديثة للتلقي والمعرفة.  وإذا كانت مائة سنة تكاد تفصلنا، عن أطروحة الشابي، أي ما يقارب القرن، فالسؤال القائم ما السبب الذي عطّل مشروع الإنتاج والتلقي الجمالي عند العرب، ولماذا هم إلى اليوم يتعاملون مع العالم على أنه أقرب إلى المسطحات والثنائيات منه إلى شيء عميق له أبعاد متعددة وأوجه متنوعة، وهذا ينطبق على الممارسة الفنية كما ينجر بدرجة أوضح على استقبال الرسائل الجمالية أو الفنية، سواء أنتجت في محيط عربي أو عالمي. كانت فكرة أبوالقاسم الشابي تقوم على الخلاصة التالية: "قد انتهي بي البحث في الأدب...

راما رواية البليك تغوص في أسرار الخلود وتتجاوز قواعد السرد

  في طفولتها البعيدة وهي تلعب بين مزارع الفول والفاصوليا وتسبح أحياناً مع البنات في النهر ساعة الفيضان، لم تكن خالدة تتخيل شكل مستقبلها، توفى معظم من تعرفهم ويعرفونها، كانت تحب فصل الشتاء لأنه يسمح لها بالاختباء تحت غطاء اللحاف، لتحلم، كانت طفولتها وشبابها مليئة بالفوضى فهي بنت الجزار الذي في لمحة بصر ومحض الصدفة تحول ضمن الحرس لشخصي لوزير مهم، هي بنت المرأة الطيبة القادمة من رحم الرق والبؤس، جد كان شحاذاً وتفاصيل مربكة استمرت إلى أن وجدت راجا الهندي الطيب تاجر المجوهرات، تكتمل الفرحة بميلاد الطفلة راما، الاسم المقتبس من الخلود بقداسته وأسراره. حياتها الجديدة لم تنسها ماضيها حكايات الخالة الصحفية المناضلة عوضية، والعم الذي مات بمرض لم يمهله كثيراً وسفيان، الأخ المولع بالفن والغناء، كثيراً ما يسير الماضي كشريط سينمائي بمونتاج محكم متداخل الأزمنة. كثيراً ما كانت تشعر بوخزة في صدرها وأن هنالك ما هو مؤلم في مقتبل الأيام، يموت الأب في حادثة مفجعة وهي طالبة جامعية، بكته رغم أنه لم يعد ذلك الأب الطيب الذي كسر الأعراف والتقاليد وانتصر للحب منذ أصبح من الحاشية ومرافقاً للوزير في كل أسفاره....